صُلِّيَتْ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: أُدِّيَتُ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (الْعِشَاءُ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ (ثُمَّ رَجَعَ) ، أَيْ: إِلَى بَيْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيْ وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ أَضْيَافِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا رَجَعَ مَعَهُ اغْتِنَامًا لِرُؤْيَتِهِ وَاهْتِمَامًا لِصُحْبَتِهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ أَعَادَ الْأَكْلَ فِي حَضْرَتِهِ (فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ رَكَعَ بَدَلَ رَجَعَ أَيْ صَلَّى النَّافِلَةَ، وَفِي أُخْرَى: حَتَّى نَعَسَ أَيْ تَأَخَّرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَعَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ لِيَنَامَ فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: إِنْ قُلْتَ: هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّعَشِّي عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَمَا تَقَدَّمَ أَشْعَرَ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ. قُلْتُ: الْأَوَّلُ بَيَانُ حَالِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى طَعَامٍ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَالثَّانِي: وَهُوَ سَوْقُ الْقِصَّةِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوَاقِعِ، أَوِ الْأَوَّلُ كَانَ تَعَشِّي أَبِي بَكْرٍ، وَالثَّانِي تَعَشِّي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا أَبْطَأَ فِي رُجُوعِهِ إِلَى بَيْتِهِ (قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ) ، أَيْ: مَنَعَكَ (عَنْ أَضْيَافِكَ) ؟ أَيْ عَنِ الْحُضُورِ مَعَهُمْ (قَالَ: أَبُو بَكْرٍ مَا عَشَّيْتِيهِمْ) ؟ بِتَشْدِيدِ الشِّينِ وَإِشْبَاعِ كَسْرَةِ التَّاءِ إِلَى تَوَلُّدِ الْيَاءِ، وَهُوَ مِنَ التَّعْشِيَةِ، وَهِيَ إِعْطَاءُ الْعَشَاءِ، وَالْمَعْنَى أَقَصَّرْتِي فِي خِدْمَتِهِمْ، وَمَا أَطْعَمْتِيهِمْ عَشَاءَهُمْ (قَالَتْ: أَبَوْا) ، أَيِ: امْتَنَعُوا مِنَ الْأَكْلِ (حَتَّى تَجِيءَ) ، أَيْ تَحْضُرَ مَعَهُمْ وَتُشَارِكَهُمْ فِي أَكْلِهِمْ (فَغَضِبَ) ، أَيْ: عَلَى أَهْلِهِ لِظَنِّ أَنَّهُمْ قَصَّرُوا فِي الْإِلْحَاحِ وَالْمُبَالَغَةِ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ غَفَلَ عَنْ هَذَا الْمَبْنَى، وَذَهَلَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى. (وَقَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالَ (وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ) : بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْعَيْنِ أَيْ: لَا آكُلُ الطَّعَامَ أَبَدًا، فَحَلَفَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا تَطْعَمَهُ) ، أَيْ أَبَدًا كَمَا فِي نُسْخَةٍ (وَحَلَفَ الْأَضْيَافُ أَنْ لَا يَطْعَمُوهُ) ، أَيْ: لَا يَأْكُلُوهُ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مُطْلَقًا.
(قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ هَذَا) ، أَيِ: الْحَلِفُ (مِنَ الشَّيْطَانِ) ، أَيْ: مِنْ إِغْوَائِهِ (فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا) ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: إِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جَازَ الْيَمِينُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ إِتْيَانٌ بِالْأَفْضَلِ لِخَبَرِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ كَانَ مُرَادُهُ: لَا أَطْعَمُهُ مَعَكُمْ، أَوْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، أَوْ عِنْدَ الْغَضَبِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُقْبَلُ التَّقْيِيدُ إِذَا كَانَتِ الْأَلْفَاظُ عَامَّةً، وَعَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَخِيرَةِ، لَا سِيَّمَا مَعَ لَفْظِ التَّأْبِيدِ، (فَجَعَلُوا) ، أَيْ: أَبُو بَكْرٍ وَأَضْيَافُهُ (لَا يَرْفَعُونَ لُقْمَةً) ، أَيْ: مِنَ الصَّحْفَةِ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ. (إِلَّا رَبَتْ) ، أَيْ: زَادَتِ اللُّقْمَةُ وَارْتَفَعَتْ (مِنْ أَسْفَلِهَا) ، أَيْ: مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ (أَكْثَرَ مِنْهَا) ، أَيْ مِنْ تِلْكَ اللُّقْمَةِ، وَضُبِطَ أَكْثَرُ بِالنَّصْبِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ. قَالَ الطِّيبِيُّ، أَيِ: ارْتَفَعَ الطَّعَامُ مِنْ أَسْفَلِ الْقَصْعَةِ ارْتِفَاعًا أَكْثَرَ انْتَهَى.
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مُطْلَقٍ مَحْذُوفٍ، فَوَجْهُ الرَّفْعِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: إِلَّا رَبَتْ لُقْمَةٌ هِيَ أَكْثَرُ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: إِسْنَادُ رَبَتْ إِلَى الْقَصْعَةِ مَجَازِيُّ: أَقُولُ: وَكَوْنُهُ مَجَازًا لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِي الْقَصْعَةِ مِنْ طَعَامِهَا لَا إِلَى الْقَصْعَةِ ذَاتِهَا، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْإِسْنَادَ إِلَى اللُّقْمَةِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِيَّةِ.
(فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ) : وَهِيَ أُمُّ رُومَانَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأُمُّ عَائِشَةَ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ ابْنِ كِنَانَةَ، وَالْمُنْتَمُونَ إِلَى النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ كُلُّهُمْ قُرَيْشٌ، ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ. (يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ!) : بِكَسْرِ الْفَاءِ (مَا هَذَا) ؟ أَيِ: الْأَمْرُ الْعَجِيبُ، وَالشَّأْنُ الْغَرِيبُ (قَالَتْ: وَقُرَّةِ عَيْنِي) : بِالْجَرِّ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ، وَلَعَلَّهَا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: بِالْجَرِّ وَالْوَاوُ لِلْقَسَمِ وَبِالنَّصْبِ مُنَادَى حُذِفَ حَرْفُ نِدَائِهِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: قُرَّةُ الْعَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَسَرَّةِ رُؤْيَةَ مَا يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ لِأَنَّ عَيْنَهُ قَرَّتْ وَسَكَنَتْ لِحُصُولِ غَرَضِهَا، فَلَا تَسْتَشْرِفُ لِشَيْءٍ آخَرَ، وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَرِّ أَيِ الْبَرْدِ، وَلِذَا قِيلَ: دَمْعَةُ السُّرُورِ بَارِدَةٌ، وَإِنَّمَا حَلَفَتْ أُمُّ رُومَانَ بِذَلِكَ لِمَا وَقَعَ عِنْدَهَا مِنَ السُّرُورِ بِالْكَرَامَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُمْ بِبَرَكَةِ الصِّدِّيقِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقُرَّةِ عَيْنِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِنَّهَا) ، أَيِ: الْقَصْعَةُ وَالْمُرَادُ مَا فِيهَا (الْآنَ لَأَكْثَرُ مِنْهَا فِي ذَلِكَ بِثَلَاثِ مِرَارٍ) ، بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مَرَّاتٍ (فَأَكَلُوا، وَبَعَثَ) ، أَيِ: الصِّدِّيقُ (بِهَا) ، أَيْ: بِالْقَصْعَةِ أَوْ بِبَعْضِ مَا فِيهَا (إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذُكِرَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: فَرُوِيَ (أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute