٥٩٧٦ - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥٩٧٦ - (وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا نُورَثُ) ، بِسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: لَا يُورَثُ مِنَّا، فَحُذِفَ الْجَارُّ فَاسْتَمَرَّ ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي الْفِعْلِ، فَانْقَلَبَ الْفِعْلُ عَنْ لَفْظِ الْغَائِبِ إِلَى لَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ اه. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ، فَلَا خِلَافَ وَلَا تَحْوِيلَ عَنِ الْإِسْنَادِ، وَكَذَا حَقَّقَهُ الْأُسْتَاذُ مَوْلَانَا عَبْدُ اللَّهِ السِّنْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ جَاءَ اللُّغَتَانِ فِي التَّنْزِيلِ: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: ٦] . وَفِي الْقَامُوسِ: وَرِثَ أَبَاهُ وَمِنْهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ يَرِثُهُ كَيَعِدُهُ وَأَوْرَثَهُ جَعَلَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَحَكَى نُورِثُ عَلَى صِيغَةِ الْمَعْلُومِ، وَكَذَا ضُبِطَ فِي نُسْخَةٍ أَيْ لَا نَتْرُكُ مَالًا مِيرَاثًا لِأَحَدٍ. قَالَ الْمُغْرِبُ: وَرَّثَ أَبَاهُ مَالًا يَرِثُ وَارِثَهُ فَهُوَ وَارِثٌ وَالْأَبُ وَالْمَالُ كِلَاهُمَا مَوْرُوثٌ، وَمِنْهُ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ وَكَسْرُ الرَّاءِ خَطَأُ دِرَايَةٍ اه.
وَبِهِ انْدَفَعَ زَعْمُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأِ دِرَايَةٍ لَوْ صَحَّتْ رِوَايَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ (الْقَامُوسِ) . (مَا تَرَكْنَاهُ) : الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا: الْمَوْصُولَةِ (صَدَقَةٌ) : بِالرَّفْعِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، لِمَا قِيلَ: لَا نُورَثُ، فَقِيلَ: مَا تَفْعَلُونَ بِتَرِكَتِكُمْ؟ فَأُجِيبَ: مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَيُرْوَى صَدَقَةً بِالنَّصْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ أَيْ: مَا تَرَكْنَاهُ مَبْذُولٌ صَدَقَةً، فَحُذِفَ الْخَبَرُ وَبَقِيَ الْحَالُ كَالْعِوَضِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: ٨] بِالنَّصْبِ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ،: وَأَمَّا قَوْلُ الشِّيعَةِ: إِنَّ (مَا) نَافِيَةٌ. وَصَدَقَةٌ: مَفْعُولُ تَرَكْنَا فَبُهْتَانٌ وَزُورٌ، وَيَرُدُّهُ وُجُودُ الضَّمِيرِ فِي تَرَكْنَا. فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَوُجُودُ فَهُوَ صَدَقَةٌ فِي بَعْضِهَا وَصَرَائِحُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ كَقَوْلِهِ: ( «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» ) . لِمَا يَلْزَمُ مِنَ التَّنَاقُضِ بَيْنَ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّادِقِ.
وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ (مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) مِنْ غَيْرِ ضَمِيرٍ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ (مَا) فِي مَا تَرَكْنَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ، وَتَرَكْنَا صِلَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَصَدَقَةٌ خَبَرٌ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ رِوَايَةً وَدِرَايَةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute