الْفَصْلُ الثَّانِي
٦٠٢٦ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ، مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِيهِ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ: مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٦٠٢٦ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ) أَيْ: عَطَاءٌ وَإِنْعَامٌ (إِلَّا وَقَدْ كَافَأْنَاهُ) ، بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْفَاءِ وَيَجُوزُ إِبْدَالُهَا أَلِفًا، فَفِي الْقَامُوسِ: كَافَأَهُ مُكَافَأَةً جَازَاهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَهْمُوزِ، وَكَفَاهُ مُؤْنَتَهُ كِفَايَةً ذَكَرَهُ فِي الْمُعْتَلِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْمَقَامِ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِالْيَاءِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ، وَالْمَعْنَى جَازَيْنَاهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ أَكْثَرَ. (مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ) ، أَيْ مَا عَدَاهُ أَيْ إِلَّا إِيَّاهُ (فَإِنَّهُ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا) : قِيلَ: أَرَادَ بِالْيَدِ النِّعْمَةَ وَقَدْ بَذَلَهَا كُلَّهَا إِيَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ الْمَالُ وَالنَّفْسُ وَالْأَهْلُ وَالْوَلَدُ ذَكَرَهُ شَارِحٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَرْكِ الْيَدِ إِعْتَاقُ بِلَالٍ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: ١٧ - ٢١] وَفُسِّرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَإِلَيْهِ يَنْظُرُ قَوْلُهُ: (يُكَافِيهِ اللَّهُ) أَيْ: يُجَازِيهِ (بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، أَيْ: جَزَاءً كَامِلًا، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ (الرِّيَاضِ) عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ مِنَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. (وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي) : مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَمِثْلُ مُقَدَّرٌ أَيْ مِثْلُ مَا نَفَعَنِي (مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا) أَيْ: مِنْ أُمَّتِي (خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا) : لِلتَّنْبِيهِ (وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَتَدَبَّرْ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
وَفِي الْجَامِعِ: (مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبُو بَكْرٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي الرِّيَاضِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « (مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ) . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مَا أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ.) » أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَافِظُ الدِّمَشْقِيُّ فِي (الْمُوَافَقَاتِ) . وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: « (مَا مَالُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْفَعُ لِي مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ) . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي فِي مَالِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا يَقْضِي فِي مَالِ نَفْسِهِ» . أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي (جَامِعِهِ) .
قُلْتُ: وَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَنْفَقَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ أَلْفًا. أَخْرَجَهُ أَبُو حَاتِمٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَلَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا أَنْفَقَهَا كُلَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ. وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ سَبْعَةً كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ مِنْهُمْ: بِلَالٌ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا وَهُوَ مَدْقُوقٌ بِالْحِجَارَةِ بِخَمْسِينَ أَوَاقٍ ذَهَبًا فَقَالُوا: لَوْ أَبَيْتَ الْأُوقِيَّةَ لَبِعْنَاكَهُ. فَقَالَ: لَوْ أَبَيْتُمْ إِلَّا مِائَةَ أُوقِيَّةٍ لَأَخَذْتُهُ أَخْرَجَهُ فِي (الصَّفْوَةِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute