للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي " الرِّيَاضِ ": مِنْ جُمْلَةِ كَرَامَاتِهِ وَمُكَاشَفَاتِهِ ; مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ وَنَادَى: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى خُطْبَتِهِ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ تَرَكَ خُطْبَتَهُ وَنَادَى: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ يَنْبَسِطُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَجْعَلُ لِلنَّاسِ عَلَيْكَ مَقَالًا؛ بَيْنَمَا أَنْتَ فِي خُطْبَتِكَ إِذْ نَادَيْتَ يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ، أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا مَلَكْتُ ذَلِكَ حِينَ رَأَيْتُ سَارِيَةَ وَأَصْحَابَهُ يُقَاتِلُونَ عِنْدَ جَبَلٍ يُؤْتَوْنَ مِنْهُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، فَلَمْ أَمْلِكْ أَنْ قُلْتُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ لِيَلْحَقُوا بِالْجَبَلِ، فَلَمْ يَمْضِ أَيَّامٌ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ سَارِيَةَ بِكِتَابِهِ أَنَّ الْقَوْمَ لَقُونَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَاتَلْنَاهُمْ مِنْ حِينِ صَلَّيْنَا الصُّبْحَ إِلَى أَنْ حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ وَدَرَّ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ مُنَادٍ يُنَادِي: الْجَبَلَ مَرَّتَيْنِ، فَلَحِقْنَا بِالْجَبَلِ فَلَمْ نَزَلْ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّنَا حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَيُرْوَى: أَنَّ مِصْرَ لَمَّا فُتِحَتْ أَتَى أَهْلُهَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّ هَذَا النِّيلَ يَحْتَاجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إِلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ مِنْ أَحْسَنِ الْجَوَارِي فَنُلْقِيهَا فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجْرِي وَتَخْرُبُ الْبِلَادُ وَتَقْحَطُ، فَبَعَثَ عَمْرٌو إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ يُخْبِرُهُ بِالْخَبَرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ: الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ بِطَاقَةً فِيهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِلَى نِيلِ مِصْرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كُنْتَ تَجْرِي بِأَمْرِ اللَّهِ فَاجْرِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهَا فِي النِّيلِ، فَجَرَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَزَادَ عَلَى كُلِّ سَنَةٍ سِتَّةَ أَذْرُعٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا أُلْقِيَ كِتَابُهُ جَرَى وَلَمْ يَعُدْ يَقِفُ، خَرَّجَهَا الْمُلَّا فِي سِيرَتِهِ.

قُلْتُ: الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَاللَّالَكَائِيُّ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالْخَطِيبُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَالثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ بِسَنَدِهِ إِلَى قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ جَدَّتِهِ.

وَلَمَّا دَخَلَ مُسْلِمٌ الْخَوْلَانِيُّ الْمَدِينَةَ مِنَ الْيَمَنِ، وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي الْيَمَنِ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَأَبَى، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرَ بِتَأْجِيجِ نَارٍ عَظِيمَةٍ وَأَلْقَى فِيهَا أَبُو مُسْلِمٍ فَلَمْ يَضُرَّهُ، فَأَمَرَ بِنَفْيِهِ مِنْ بِلَادِهِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ عُمَرُ: هَذَا صَاحِبُكُمُ الَّذِي زَعَمَ الْأَسْوَدُ الْكَذَّابُ أَنَّهُ يُحْرِقُهُ فَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنِ الْقَوْمُ وَلَا عُمَرُ سَمِعُوا قَضِيَّتَهُ وَلَا رَأَوْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ. وَقَالَ: أَلَسْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَيُّوبَ؟ قَالَ: بَلَى، فَبَكَى عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَانِي فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبِيهًا بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ عَسَّ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي فَأَتَى امْرَأَةً وَهِيَ تَقُولُ لِابْنَتِهَا: قُومِي وَامَرَئِي اللَّبَنَ. فَقَالَتْ: لَا تَفْعَلِينَ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. قَالَتْ: وَمِنْ أَيْنَ يَدْرِي؟ فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ فَإِنَّ رَبَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْرِي ذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ قَالَ لِابْنِهِ عَاصِمٍ: اذْهَبْ إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ هُنَاكَ صَبِيَّةً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْغُولَةً، فَتَزَوَّجْ بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْهَا نَسَمَةً مُبَارَكَةً، فَتَزَوَّجَ عَاصِمٌ تِلْكَ الْبُنَيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَّ عَاصِمٍ بِنْتَ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. خَرَّجَهُمَا فِي " الْفَضَائِلِ ".

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَبْصَرَ أَعْرَابِيًّا نَازِلًا مِنْ جَبَلٍ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مُصَابٌ بِوَلَدِهِ قَدْ نَظَمَ فِيهِ سَبْعَةَ أَبْيَاتٍ لَوْ أَشَاءُ لَأَسْمَعْتُكُمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَعْلَى هَذَا الْجَبَلِ. قَالَ: وَمَا صَنَعْتَ فِيهِ؟ قَالَ: أَوْدَعْتُهُ وَدِيعَةً لِي. قَالَ: وَمَا وَدِيعَتُكَ؟ قَالَ: بُنَيٌّ لِي هَلَكَ فَدَفَنْتُهُ فِيهِ. قَالَ: فَأَسْمِعْنَا مِنْ مَرْثِيَّتِكَ فِيهِ. قَالَ: مَا يُدْرِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَوَاللَّهِ مَا تَفَوَّهْتُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي ثُمَّ أَنْشَدَ:

يَا غَائِبًا مَا يَؤُوبُ مِنْ سَفَرٍ ... عَاجَلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ عَلَى صِغَرِهِ

يَا قُرَّةَ الْعَيْنِ كُنْتَ لِي أُنُسًا ... فِي طُولِ لَيْلِي نَعَمْ وَفِي قِصَرِهِ

مَا تَقَعُ الْعَيْنُ حَيْثُمَا وَقَعَتْ ... فِي الْحَيِّ إِلَّا مِنْ عَلَى أَثَرِهِ

شَرِبْتَ كَأْسًا أَبُوكَ شَارِبُهَا ... لَا بُدَّ مِنْهُ لَهُ عَلَى كِبَرِهِ

بِشُرْبِهَا وَالْأَنَامُ كُلُّهُمُ ... مَنْ كَانَ فِي بَدْوِهِ وَفِي حَضَرِهِ

فَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ ... فِي حُكْمِهِ كَانَ ذَا وَفِي قَدَرِهِ

قَدَّرَ مَوْتًا عَلَى الْعِبَادِ فَمَا ... يَقْدِرُ خَلْقٌ يَزِيدُ فِي عُمُرِهِ

قَالَ: فَبَكَى حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَعْرَابِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>