بْنُ أَبِي طَالِبٍ ") ؟ فِيهِ: أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرِيدٍ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ فِي إِعْطَاءِ الْمَزِيدِ لِمَنْ يُرِيدُ. (فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ) . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَصَلَ عُذْرٌ لَدَيْهِ.
أَقُولُ، أَيْ: أَيْنَ عَلِيٌّ؟ مَا لِي لَا أَرَاهُ حَاضِرًا؟ فَيَسْتَقِيمَ جَوَابُهُمْ: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، نَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا لِي لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: ٢٠] كَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَبْعَدَ غَيْبَتَهُ عَنْ حَضْرَتِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ: " لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ " إِلَى آخِرِهِ، وَقَدْ حَضَرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ طَمَعًا بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَفُوزُ بِذَلِكَ الْوَعْدِ، وَتَقْدِيمُ الْقَوْمِ الضَّمِيرَ وَبِنَاءُ يَشْتَكِي عَلَيْهِ اعْتِذَارٌ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ.
(قَالَ: " فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ ") . بِكَسْرِ السِّينِ وَالْمَعْنَى فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ. (فَأُتِيَ بِهِ) أَيْ فَجِيءَ بِهِ (فَبَصَقَ) : وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيِ: أَلْقَى بُزَاقَهُ (فِي عَيْنَيْهِ) : وَفِي رِوَايَةٍ فَدَعَا لَهُ (فَبَرَأَ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ يُكْسَرُ أَيْ: فَصَحَّ عَلِيٌّ مِنْ جِهَةِ عَيْنَيْهِ وَعُوفِيَ عَافِيَةً كَامِلَةً (حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ) ، أَيْ وَلَا سَبَبُ وَجَعٍ مِنَ الرَّمَدِ وَلَا ضَعْفُ بَصَرٍ أَصْلًا (فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ) : بِهَمْزَةٍ مُقَدَّرَةٍ أَوْ بِدُونِهَا (حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا) ؟ أَيْ حَتَّى يُسْلِمُوا (قَالَ: " انْفُذْ ") بِضَمِّ الْفَاءِ أَيِ امْضِ (" عَلَى رِسْلِكَ ") : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ رِفْقِكَ وَلِينِكَ (" حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ") ، أَيْ حَتَّى تَبْلُغَ فِنَاءَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ (" ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ") ، أَيْ: أَوَّلًا (" وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ ") ، أَيْ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَانَ هُنَا مَحْذُوفًا أَوْ جُمْلَةً مَطْوِيَّةً، وَهِيَ: فَإِنْ أَبَوْا عَنْهُ فَاطْلُبِ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلْهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَوْ مَعْنَاهُ يَنْقَادُوا قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحْسَنَ قَوْلَهُ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، وَاسْتَحْمَدَهُ عَلَى مَا قَصَدَهُ مِنْ مُقَاتَلَتِهِ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَكُونُوا أَمْثَالَنَا مُهْتَدِينَ إِعْلَاءً لِدِينِ اللَّهِ، وَمِنْ ثَمَّ حَثَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا نَوَاهُ بِقَوْلِهِ: (" «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» ") يُرَادُ بِهِ حُمْرُ الْإِبِلِ وَهِيَ أَعَزُّهَا وَأَنْفَسُهَا، وَيَضْرِبُونَ بِهَا الْمَثَلَ فِي نَفَاسَةِ الشَّيْءِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: تَشْبِيهُ أُمُورِ الْآخِرَةِ بِأَعْرَاضِ الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ التَّقْرِيبُ لِلْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَقَدْرٌ يَسِيرٌ مِنَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا وَأَمْثَالِهَا مَعَهُ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ: فَوَاللَّهِ. . إِلَخْ تَأْكِيدٌ لِمَا أَرْشَدَهُ مِنْ دُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوَّلًا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِيمَانِهِمْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى قِتَالِهِمُ الْمُتَفَرِّعِ عَلَيْهِ حُصُولُ الْغَنَائِمِ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ إِيجَادَ مُؤْمِنٍ وَاحِدٍ خَيْرٌ مِنْ إِعْدَامِ أَلْفِ كَافِرٍ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ مُعَلِّلًا بِهِ عَلَى وَجْهِ تَقْدِيمِهِ كُلِّهِ عَلَى كِتَابِ السِّيَرِ وَالْجِهَادِ، وَالْحُمْرُ: بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَحْمَرَ، وَأَمَّا بِضَمِّ الْمِيمِ فَهُوَ جَمْعُ حِمَارٍ، وَالنَّعَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ يُكْسَرُ عَيْنُهُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، الْإِبِلُ وَالشَّاءُ أَوْ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ، وَأَمَّا النِّعَمُ بِكَسْرِ النُّونِ فَهُوَ جَمْعُ نِعْمَةٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا " «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» ". أَيْ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ تَكُونَ لَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِهَا.
وَفِي الرِّيَاضِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ: " لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ ". قَالَ عُمَرُ: فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَتَشَارَفْتُ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ: امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا، ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَامَ أُقَاتِلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ» - " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute