للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، فَخَلَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِلْآخَرَيْنِ: أَيُّكُمَا يَتَبَرَّأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ إِلَى أَفْضَلِهِمْ فِي نَفْسِهِ، وَلَيَحْرِصَنَّ عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ. قَالَ: فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ، وَاللَّهُ عَلَيَّ أَلَّا آلُوَ عَلَى أَفْضَلِكُمْ. قَالَا: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: إِنَّ لَكَ مِنَ الْقَدَمِ وَالْإِسْلَامِ وَالْقَرَابَةِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عَلَيْكَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلَا بِعُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ لِعُثْمَانَ: ارْفَعْ يَدَكَ فَبَايَعَهُ ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ، ثُمَّ وَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ مَنَاهِجِ أَهْلِ الْإِصَابَةِ فِي مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمَّا قَالَ لِعَلِيٍّ وَعُثْمَانَ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ لِعَلِيٍّ: أُبَايِعُكَ عَلَى سِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاجْتِهَادِ رَأْيِي، فَخَافَ أَنْ يَتَرَخَّصَ مِنَ الْمُبَاحِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ مَنْ أَلِفَ ذَلِكَ التَّشَدُّدَ مِنْ سِيرَةِ الشَّيْخَيْنِ، فَقَالَ لِعُثْمَانَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ: نَعَمْ، فَبَايَعَهُ فَسَارَ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُدَّةً، ثُمَّ تَرَخَّصَ فِي مُبَاحَاتٍ، وَلَمْ يَتَحَمَّلُوهَا حَتَّى أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَ أَبُو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ الْحَاكِمِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كُلَّمَا دَعَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الشُّورَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَذَكَرَ مَنَاقِبَهُ، وَقَالَ: إِنَّكَ لَهَا أَهْلٌ فَإِنْ أَخْطَأْتُكَ فَمَنْ؟ يَقُولُ: إِنْ أَخْطَأْتَنِي فَعُثْمَانُ اهـ.

وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْتِيبِ الْأَرْبَعَةِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعَارِفِينَ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَشَرَّفَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا، وَقَدْ أَجَابَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْعَبَّاسَ مَعَ جَلَالَتِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْزِلَتِهِ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي الشُّورَى؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَمَّا جَعَلَهَا فِي أَهْلِ السَّبْقِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْبَدْرِيِّينَ، وَالْعَبَّاسُ لَمْ يَكُنْ مُهَاجِرًا وَلَا سَابِقًا وَلَا بَدْرِيًّا، وَسَيَأْتِي أَنَّ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَسَعِيدًا فِي حُكْمِ أَهْلِ بَدْرٍ حَيْثُ أُعْطِيَ لَهُمْ مِنْ سَهْمِهَا وَأَجْرِهَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَةَ تَثْبُتُ إِمَّا بِعَقْدِهَا مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ لِمَنْ عُقِدَتْ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا كَأَبِي بَكْرٍ وَإِمَّا بِنَصٍّ مِنَ الْإِمَامِ عَلَى اسْتِخْلَافِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا كَعُمَرَ، وَيَجُوزُ نَصْبُ الْمَفْضُولِ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَلَى إِمَامَةِ بَعْضٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْهُ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْخِلَافَةَ بَيْنَ سِتَّةٍ مِنْهُمْ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَهُمَا أَفْضَلُ زَمَانِهِمَا بَعْدَ عُمَرَ، فَلَوْ تَعَيَّنَ الْأَفْضَلُ لَعَيَّنَ عُمَرُ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيًّا، فَدَلَّ عَدَمُ تَعْيِينِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ نَصْبُ غَيْرِهِمَا مَعَ وُجُودِهِمَا، إِذًا غَيْرُ الْأَفْضَلِ قَدْ يَكُونُ أَقْدَرَ مِنْهُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الدِّينِ، وَأَعْرَفَ بِتَدْبِيرِ الْمُلْكِ، وَأَوْفَقَ لِانْتِظَامِ حَالِ الرَّعِيَّةِ، وَأَوْثَقَ فِي انْدِفَاعِ الْفِتْنَةِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعِصْمَةِ فِي الْإِمَامِ وَكَوْنُهُ هَاشِمِيًّا وَظُهُورُ مُعْجِزَةٍ عَلَى يَدَيْهِ يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُهُ فَمِنْ خُرَافَاتِ الشِّيعَةِ وَجَهَالَاتِهِمْ، وَتَوْطِئَةٌ وَتَمْهِيدٌ لَهُمْ عَلَى ضَلَالَاتِهِمْ مِنْ بُطْلَانِ خِلَافَةِ غَيْرِ عَلَيٍّ مَعَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>