للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خِلَافَتِهِ مِلْءَ مِحْجَمَةِ دَمٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخْذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذًا رَفِيقًا، فَيُضَمَّا عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا عَادَ عَادَا حَتَّى قَضَى صِلَاتَهُ فَأَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرُدُّهُمَا فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَقَالَ: الْحَقَا بِأُمِّكُمَا. قَالَ: فَمَكَثَ ضَوْءُهَا حَتَّى دَخَلَا» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُصُّ لِسَانَ الْحَسَنِ أَوْ شَفَتَهُ» ، وَإِنَّهُ لَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ لِسَانًا أَوْ شَفَةً مَصَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

وَفِي الذَّخَائِرِ قَالَ أَبُو عَمْرٍو: لَمَّا قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَايَعَ الْحَسَنَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا كُلُّهُمْ قَدْ بَايَعَ أَبَاهُ قَبْلَهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانُوا أَطْوَعَ لِلْحَسَنِ وَأَحَبَّ فِيهِ مِنْهُمْ فِي أَبِيهِ، فَبَقِيَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ خَلِيفَةً بِالْعِرَاقِ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ خُرَاسَانَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَسَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ يَسْكُنُ بِنَاحِيَةِ الْأَنْبَارِ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ عَلِمَ أَنَّهُ لَنْ تُغْلَبَ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ حَتَّى يَذْهَبَ أَكْثَرُ الْأُخْرَى، فَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَيْهِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي أَيَّامِ أَبِيهِ، فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَشَرَةُ أَنْفُسٍ فَلَا أُؤَمِّنُهُمْ، فَرَاجَعَهُ الْحَسَنُ فِيهِمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ: إِنِّي قَدْ آلَيْتُ إِنَّنِي مَتَى ظَفِرْتُ بِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ أَقْطَعَ لِسَانَهُ وَيَدَهُ، فَرَاجَعَهُ الْحَسَنُ إِنِّي لَا أُبَايِعُكَ أَبَدًا وَأَنْتَ تَطْلُبُ قَيْسًا أَوْ غَيْرَهُ بِتَبِعَةٍ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ حِينَئِذٍ بَرِقٍّ أَبْيَضَ وَقَالَ: اكْتُبْ مَا شِئْتَ فِيهِ، فَأَنَا أَلْتَزِمُهُ فَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَالْتَزَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُعَاوِيَةُ، وَاصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ سَيُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ، وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: مَا أَحْبَبْتُ مُنْذُ عَلِمْتُ مَا يَنْفَعُنِي وَيَضُرُّنِي أَنَّ لِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يُهْرَاقَ فِي ذَلِكَ مِحْجَمَةُ دَمٍ. وَعَنْ أَبِي الْعَرِّيفِ قَالَ: كُنَّا فِي مُقَدِّمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مُسْتَمِيتِينَ حِرْصًا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا جَاءَنَا صُلْحُ الْحَسَنِ كَأَنَّمَا كُسِرَتْ ظُهُورُنَا مِنَ الْغَيْظِ وَالْحُزْنِ، فَلَمَّا جَاءَ الْحَسَنُ الْكُوفَةَ أَتَاهُ شَيْخٌ مِنَّا يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو سُفْيَانُ بْنُ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: لَا تَقُلْ يَا أَبَا عَمْرٍو، فَإِنِّي لَمْ أُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَهُمْ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ الْحَسَنَ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَأُجِيزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ لَمْ أُجْزِ بِهَا أَحَدًا قَبْلَكَ وَلَا أُجِيزُ بِهَا أَحَدًا بَعْدَكَ، فَأَجَازَهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ فَقَبِلَهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَالْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: قُمْ فَاخْطُبِ النَّاسَ وَاذْكُرْ مَا كُنْتَ فِيهِ، فَقَامَ الْحَسَنُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَحَقَنَ بِنَا دِمَاءَكُمْ أَلَا إِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ الْتَقِيُّ، وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفَجُورُ، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي أَوْ أَنْ يَكُونَ حَقِّي وَتَرَكْتُهُ لِلَّهِ وَلِصَلَاحِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ، ثُمَّ الْتَفْتَ وَقَالَ: (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: مَا أَرَدْتُ إِلَّا هَذَا. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ الْحَسَنَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ الْخَلِيفَةَ مَنْ سَارَ سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ، وَلَيْسَ الْخَلِيفَةُ مَنْ دَانَ بِالْجَوْرِ وَعَطَّلَ السُّنَنَ وَاتَّخَذَ الدُّنْيَا أُمًّا وَأَبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>