للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فَكَلَّمْ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ) ، أَيْ: إِيَّاهَا وَالْمَعْنَى فَكَلَّمْنَهَا (فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَلِّمُ النَّاسَ) : بِالرَّفْعِ عَلَى مَا فِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ، عَلَى أَنَّهُ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِالْجَزْمِ، وَالْمِيمُ مَكْسُورَةٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ. قُلْتُ: الصَّوَابُ الرَّفْعُ لِقَوْلِهِ (فَيَقُولُ) : وَالْمَعْنَى لِيُكَلِّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ لَهُمْ: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ) : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيْ: يُرْسِلَ هَدِيَّةً (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُهْدِهِ) : وَضَعَ السَّيِّدُ فِي نُسْخَتِهِ عَلَامَةَ الشَّكِّ فَوْقَ الضَّمِيرِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَسْتَوِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ، نَعَمْ قَدْ يُحْذَفُ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ لَكِنَّ النُّسَخَ اجْتَمَعَتْ عَلَى وُجُودِهِ وَهُوَ أَوْضَحُ مِنْ تَقْدِيرِهِ، فَلَا وَجْهَ لِلشَّكِّ وَتَنْظِيرِهِ، وَالْمَعْنَى فَلْيُرْسِلْ مُهْدَاهُ أَيْ هَدِيَّتَهُ (إِلَيْهِ) ، أَيْ: إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَيْثُ كَانَ) . أَيْ مِنْ حُجُرَاتِ الْأُمَّهَاتِ وَمُرَادُهُنَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّحَرِّي فِي ذَلِكَ لَا لَهُنَّ وَلَا لِغَيْرِهِنَّ، بَلْ بِحَسْبِ مَا يَتَّفِقُ الْأَمْرُ فِيهِنَّ لِيَرْتَفِعَ التَّمْيِيزُ الْبَاعِثُ لِلْغَيْرَةِ عَنْهُنَّ (فَكَلَّمَتْهُ) ، أَيْ أُمُّ سَلَمَةَ (فَقَالَ) : النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَهَا: لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ ") ، أَيْ فِي حَقِّهَا، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ لَا تُؤْذِي عَائِشَةَ لِمَا يُفِيدُ مِنْ أَنَّ مَا آذَاهَا فَهُوَ يُؤْذِيهِ (" فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ ") ، أَيْ: لِحَافِ زَوْجَةٍ (" إِلَّا عَائِشَةَ ") . قَالَ الطِّيبِيُّ: إِلَّا بِمَعْنَى غَيْرِ أَيِ امْرَأَةً غَيْرَ عَائِشَةَ. اهـ. وَالْمَعْنَى إِلَّا فِي ثَوْبِ عَائِشَةَ فَفِي كِتَابِ الْخَمِيسِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَتْ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦] وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللِّحَافِ (قَالَتْ) ، أَيْ: أُمُّ سَلَمَةَ (أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ) ، أَيْ: مِمَّا يَجُرُّ إِلَى أَذَاكَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثُمَّ إِنَّهُنَّ) ، أَيْ: حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ (دَعَوْنَ فَاطِمَةَ) ، أَيْ: طَلَبْنَهَا (فَأَرْسَلْنَ) ، أَيْ: فَبَعَثْنَهَا (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، أَيْ: لِتُكَلِّمَهُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ (فَكَلَّمَتْهُ) ، وَلَعَلَّهَا مَا اطَّلَعَتْ عَلَى قِصَّةِ أُمِّ سَلَمَةَ السَّابِقَةِ (فَقَالَ: " يَا بُنَيَّةُ ") : تَصْغِيرٌ لِلشَّفَقَةِ وَالْمَرْحَمَةِ (" أَلَا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ " قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: " فَأَحِبِّي هَذِهِ ") . أَيْ عَائِشَةَ يَعْنِي وَلَا تَذْكُرِي مَا يَكُونُ سَبَبًا لِكَرَاهِيَةِ خَاطِرِهَا (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

(وَذَكَرَ حَدِيثُ أَنَسٍ «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ ") : تَمَامُهُ: " كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ» . (" فِي بَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ بِرِوَايَةِ أَبِي مُوسَى) . وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسَاءِ جِنْسُهُنَّ، أَوْ أَزْوَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمُومًا أَوْ بَعْدَ خَدِيجَةَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْجَامِعِيَّةُ لِلْكَمَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمَا فِي التَّشْبِيهِ بِالثَّرِيدِ، فَإِنَّمَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِالثَّرِيدِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ طَعَامِ الْعَرَبِ، وَأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْمَرَقَةِ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْأَغْذِيَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ الْغِذَاءِ وَاللَّذَّةِ وَالْقُوَّةِ وَسُهُولَةِ التَّنَاوُلِ وَقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ فِي الْمَضْغِ، وَسُرْعَةِ الْمُرُورِ فِي الْحُلْقُومِ وَالْمَرِّيءِ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا الْمَثَلَ بِهِ لِيُعْلِمَ أَنَّهَا أُعْطِيَتْ مَعَ حُسْنِ الْخَلْقِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَحُسْنِ الْحَدِيثِ، وَحَلَاوَةِ الْمَنْطِقِ، وَفَصَاحَةِ اللَّهْجَةِ، وَجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ، وَرَزَانَةِ الرَّأْيِ، وَرَصَانَةِ الْعَقْلِ التَّحَبُّبَ إِلَى الْبَعْلِ، فَهِيَ تَصْلُحُ لِلتَّبَعُّلِ وَالتَّحَدُّثِ وَالِاسْتِئْنَاسِ بِهَا وَالْإِصْغَاءِ إِلَيْهَا وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهَا، وَحَسْبُكَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي أَنَّهَا عَقَلَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ تَعْقِلْ غَيْرُهَا مِنَ النِّسَاءِ، وَرَوَتْ عَنْهُ مَا لَمْ يَرْوِ مِثْلُهَا مِنَ الرِّجَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>