حَتَّى يُسْلِمُوا. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُمْ يَغْفِرُ اللَّهُ تَوْطِئَةٌ وَتَمْهِيدٌ لِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنَ الْعِتَابِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] وَقَوْلُهُمْ: وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْعَرَبِ: عَرَضَتِ النَّاقَةُ عَلَى الْحَوْضِ. اهـ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَسُيُوفُنَا بِاعْتِبَارِ مَا عَلَيْهَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ وَهُوَ إِشْعَارٌ بِقُرْبِ قَتْلِهِمْ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَوْلَى بِزِيَادَةِ الْبِرِّ، فَالْجُمْلَةُ حَالٌ مُقَرِّرَةٌ لِجِهَةِ الْإِشْكَالِ (فَحُدِّثَ) : بِضَمِّ حَاءٍ وَتَشْدِيدِ دَالٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ: فَأُوحِيَ (لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَقَالَتِهِمْ) أَيْ: بِقَوْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنَ الْأَنْصَارِ (فَأَرْسَلَ) ، أَيِ: الرَّسُولُ رَسُولًا (إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ) ، أَيِ: الرَّسُولُ أَوْ أَمَرَ بِجَمْعِهِمْ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُبَّةٍ) ، أَيْ: خَيْمَةٍ (مَنْ أَدَمٍ) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: جِلْدٍ (وَلَمْ يَدْعُ) : بِسُكُونِ الدَّالِ وَضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ: لَمْ يَطْلُبْ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ: لَمْ يَتْرُكْ مَعَهُمْ (أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مَا حَدِيثٌ ") ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ خَبَرٌ عَظِيمٌ؟ (" بَلَغَنِي عَنْكُمْ " فَقَالَ فُقَهَاؤُهُمْ) ، أَيْ: عُلَمَاؤُهُمْ أَوْ عُقَلَاؤُهُمْ (أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا) ، أَيْ: أَصْحَابُ عُقُولِنَا وَفُهُومِنَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا) ، أَيْ: مِنْ هَذَا الْبَابِ (وَأَمَّا أُنَاسٌ) : بِضَمِّ الْهَمْزِ لُغَةٌ فِي نَاسٍ أَيْ: جَمَاعَةٌ (مِنَّا حَدِيثَةٌ) ، أَيْ: جَدِيدَةٌ (أَسْنَانُهُمْ) : جَمْعُ السِّنِّ بِمَعْنَى الْعُمْرِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُمُ الشُّبَّانُ (قَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُ الْأَنْصَارَ) ، أَيْ: يَتْرُكُهُمْ (وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنِّي أُعْطِي ") ، أَيْ: مِنْ هَذَا الْمَالِ (" رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ ") ، أَيْ: أَطْلُبُ أُلْفَتَهُمْ بِالْإِسْلَامِ بِإِعْطَاءِ الْمَالِ لَا لِكَوْنِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ مِنَ الْأَحْوَالِ (" أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ ") ، أَيْ: غَيْرُكُمْ مِنَ الْمُتَأَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (" بِالْأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ ") بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: مَنَازِلِكُمْ فِي الْمَدِينَةِ (" بِرَسُولِ اللَّهِ ") وَفِي نُسْخَةٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا) . فِيهِ تَأْكِيدٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ بَلَى، وَمَا أَحْسَنَ مَنْ قَالَ مِنْ أَرْبَابِ الذَّوْقِ وَالْحَالِ:
رَضِينَا قِسْمَةَ الْجَبَّارِ فِينَا ... لَنَا عِلْمٌ وَلِلْأَعْدَاءِ مَالُ
فَإِنَّ الْمَالَ يَفْنَى عَنْ قَرِيبٍ ... وَإِنَّ الْعِلْمَ يَبْقَى لَا يَزَالُ.
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute