للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا نَالُوا ذَلِكَ بِآلَةٍ - لِأَجْلِ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِعْلَاءً لِدِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَالْأَنْصَارُ وَإِنِ اتَّصَفُوا بِصِفَةِ النُّصْرَةِ وَالْإِيثَارِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِيوَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ مُقِيمُونَ فِي مَوَاطِنِهِمْ سَاكِنُونَ مَعَ أَقَارِبِهِمْ وَأَحْبَابِهِمْ، وَحَسْبُكَ شَاهِدًا فِي فَضْلِ الْمُهَاجِرِينَ قَوْلُهُ هَذَا، لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى جَلَالَةِ رُتْبَةِ الْهِجْرَةِ فَلَا يَتْرُكُهَا نَبِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ لِأَنْصَارِيٍّ (" وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا ") ، أَيْ: طَرِيقًا حِسِّيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا (" وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ وَادِيًا ") ، أَيْ: سَبِيلًا آخَرَ (" أَوْ شِعْبًا ") : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي إِذْ مَآلُهُمَا وَاحِدٌ (" لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهَا ") : أَيْ فِي شِعْبِ جَمَاعَةِ الْأَنْصَارِ، وَتَرَكْتُ سُلُوكَ وَادِي سَائِرِ النَّاسِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَرَادَ أَنَّ أَرْضَ الْحِجَازِ كَثِيرَةُ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَإِذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ عَنِ الْجَمِيعِ فَسَلَكَ رَئِيسٌ شِعْبًا اتَّبَعَهُ قَوْمُهُ حَتَّى يُفْضُوا إِلَى الْجَادَّةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَادِيَ الرَّأْيَ وَالْمَذْهَبَ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فِي وَادٍ وَأَنَا فِي وَادٍ، قِيلَ: أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ حُسْنَ مُوَافَقَتِهِ إِيَّاهُمْ وَتَرْجِيحَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمْ، لَمَّا شَاهَدَ مِنْهُمْ حُسْنَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَحُسْنَ الْجِوَارِ، وَمَا أَرَادَ بِذَلِكَ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ إِيَّاهُمْ فَإِنَّ مُتَابَعَتَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمَتْبُوعُ الْمُطَاعُ لَا التَّابِعُ الْمُطِيعُ (" الْأَنْصَارُ شِعَارٌ ") : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي شَعْرَ الْبَدَنِ (وَالنَّاسُ دِثَارٌ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي فَوْقَ الشِّعَارِ، شَبَّهَ الْأَنْصَارَ بِالشِّعَارِ لِرُسُوخِ صَدَاقَتِهِمْ وَخُلُوصِ مَوَدَّتِهِمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيَّ مَرْتَبَةً وَأُولَاهُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً (" إِنَّكُمْ ") : الْتِفَاتٌ إِلَيْهِمْ مُتَضَمِّنٌ لِلتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ (" سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً ") : بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيِ: اسْتِئْثَارًا يَسْتَأْثِرُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاؤُكُمْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَغَانِمِ وَالْفَيْءِ وَنَحْوِهِمَا، وَيُفَضِّلُ عَلَيْكُمْ غَيْرَهُ نَفْسَهُ أَوْ مَنْ هُوَ أَدْنَاكُمْ (" فَاصْبِرُوا ") ، أَيْ: عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِئْثَارِ (" حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ") ، أَيْ: حِينَئِذٍ يَحْصُلُ جَرُّ خَاطِرِكُمُ الْمُتَعَطِّشِ إِلَى لِقَائِي يَسْقِيكُمْ شَرْبَةً لَا تَظْمَأُونَ بَعْدَهَا أَبَدًا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>