٦٢٤٤ - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ عَنِ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٦٢٤٤ - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ) ، بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مَدَنِيٌّ صَحَابِيٌّ كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: مَدَنِيٌّ، وَقِيلَ قُرَشِيٌّ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ لَا يَثْبُتُ فِي الصَّحَابَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ شَامِيٌّ، رَوَى عَنْهُ نَفَرٌ. (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ) الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَإِلَّا فَمُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ جَاهِمَةَ أَيْضًا مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ (" اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا ") ، أَيْ: لِلنَّاسِ أَوْ دَالًّا عَلَى الْخَيْرِ (" مَهْدِيًّا ") ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ (" وَاهْدِ بِهِ ") ، أَيْ: بِمُعَاوِيَةَ النَّاسَ، فِيهِ تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى الْهِدَايَةِ الْمُتَعَدِّيَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْهِدَايَةَ إِمَّا مُجَرَّدُ الدَّلَالَةِ، أَوْ هِيَ الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الْبُغْيَةِ. قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ: فَهَدَيْنَاهُمْ دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: ١٠] وَالْهَدْيُ الَّذِي لِلْإِرْشَادِ بِمَعْنَى الْإِسْعَادِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠] وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى الْهِدَايَةِ فِي اللُّغَةِ الدَّلَالَةُ هَدَاهُ فِي الدِّينِ يَهْدِيهِ هِدَايَةً إِذَا دَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ. وَالْهَدْيُ يُذْكَرُ لِحَقِيقَةِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا، وَلِهَذَا جَازَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢] .
قَالَ الطِّيبِيُّ: لَوْ حُمِلَ قَوْلُهُ هَادِيًا عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَانَ قَوْلُهُ مَهْدِيًّا تَكْمِيلًا لَهُ لِأَنَّهُ رَبٌّ هَادٍ وَلَا يَكُونُ مَهْدِيًّا، وَقَوْلُهُ: وَاهْدِ بِهِ تَتْمِيمًا لِأَنَّ الَّذِي فَازَ بِمَدْلُولِهِ فَوْزًا يَتْبَعُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَكَمَّلَ ثُمَّ تَمَّمَ، وَإِذَا ذَهَبَ إِلَى الْمَعْنَى الثَّانِي كَانَ مَهْدِيًّا تَأْكِيدًا، وَقَوْلُهُ: اهْدِ بِهِ تَكْمِيلًا يَعْنِي أَنَّهُ كَامِلٌ مُكَمِّلٌ، وَلَا ارْتِيَابَ أَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَجَابٌ، فَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ كَيْفَ يُرْتَابُ فِي حَقِّهِ، وَمَنْ أَرَادَ زِيَادَةَ بَيَانٍ فِي مَعْنَى الْهِدَايَةِ فَعَلَيْهِ بِفُتُوحِ الْغَيْبِ، فَإِنَّ فِيهِ مَا يَكْفِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute