٦٢٤٦ - «وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ قُلْتُ: اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا. قَالَ: أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، قَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ لَا يُرْجَعُونَ فَنَزَلَتْ " {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: ١٦٩] » " الْآيَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٦٢٤٦ - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ") ، أَيْ مُنْكَسِرَ الْبَالِ وَالْخَاطِرِ، يَعْنِي: مَهْمُومًا حَزِينًا مَغْمُومًا (قُلْتُ: اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عِيَالًا) ، أَيْ: كَثِيرًا (وَدَيْنًا) ، أَيْ: ثَقِيلًا فَاجْتَمَعَ أَسْبَابُ الْحُزْنِ، (قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ» ") ، أَيْ: قَبْلَ أَبِيكَ فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ بِخُصُوصِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الشُّهَدَاءِ الْمَاضِيَةِ حَيْثُ مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا مِنْهُمْ (إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: ٥١] الْآيَةَ: مُقَيَّدٌ بِالدُّنْيَا لِقَوْلِهِ: (" وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا ") . بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ مُوَاجِهًا عِيَانًا فَفِي النِّهَايَةِ أَيْ مُوَاجَهَةً لَيْسَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَلَا رَسُولٌ. وَقَالَ شَارِحٌ، أَيْ: كَلَّمَ أَبَاكَ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: ١٦٩] لِأَنَّ التَّقْدِيرَ هُمْ أَحْيَاءٌ، فَكَيْفَ يَحْيَا الْحَيُّ؟ فَقَالَ الْمُظْهِرُ: قِيلَ: جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الرُّوحَ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، فَأَحْيَا ذَلِكَ الطَّيْرَ بِتِلْكَ الرُّوحِ، فَصَحَّ الْإِحْيَاءُ، أَوْ أَرَادَ بِالْإِحْيَاءِ زِيَادَةَ قُوَّةِ رُوحِهِ فَشَاهَدَ الْحَقَّ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ أَيْ: لَا تَهْتَمَّ بِشَأْنِ أَمْرِ دُنْيَاهُ مِنْ هَمِّ عِيَالِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ بِبَرَكَةِ نَبِيِّهِ، وَيَلْطُفُ بِعِيَالِهِ، وَلَكِنْ أُبَشِّرُكَ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْقُرْبِ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَا لَقِيَهُ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْمِنْحَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute