للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَقْلَ الْكَامِلَ تَابِعٌ لِلشَّرْعِ ; لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إِدْرَاكِ الْحِكَمِ الْإِلَهِيَّةِ، فَعَلَيْهِ التَّعَبُّدُ الْمَحْضُ بِمُقْتَضَى الْعُبُودِيَّةِ، وَمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْمُبْتَدَعَةِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِلَّا بِمُتَابَعَةِ الْعَقْلِ، وَتَرْكِ مُوَافَقَةِ النَّقْلِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا: لَوْ قُلْتُ بِالرَّأْيِ لَأَوْجَبْتُ الْغُسْلَ بِالْبَوْلِ أَيْ: لِأَنَّهُ نَجِسٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْوُضُوءُ بِالْمَنِيِّ ; لِأَنَّهُ نَجِسٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَأَعْطَيْتُ الذَّكَرَ فِي الْإِرْثِ نِصْفَ الْأُنْثَى ; لِكَوْنِهَا أَضْعَفَ مِنْهُ، هَذَا وَقَالَ فِي النَّوَوِيَّةِ نَقْلًا عَنِ الْمَبْسُوطِ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّ بَاطِنَهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَلَوُّثٍ عَادَةً فَيُصِيبُ يَدَهُ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، لَكِنْ بِتَقْدِيرِهِ لَا يَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ وَلَوْ كَانَ بِالرَّأْيِ، بَلِ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ الْأَسْفَلُ هُوَ الْمُعَيَّنُ الَّذِي قَالُوهُ، فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ عَلِيٍّ السَّابِقِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمَسْحِ هُوَ الطَّهَارَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَسْفَلَ أَحْوَجُ إِلَى التَّطْهِيرِ ; فَإِنَّهُ أُجْمِعَ فِيهِ الْحَدَثُ وَالْخَبَثُ، وَفِي كَلَامِ عَلِيٍّ إِيمَاءٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ جَوَّزَ الْمَسْحَ عَلَى الرِّجْلِ ; لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الرِّجْلِ لَكَانَ فِي مُقْتَضَى الرَّأْيِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى لَا عَلَى الْأَسْفَلِ، فَتَأَمَّلْ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) أَيْ: مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ (وَلِلدَّارِمِيِّ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ، خَبَرُهُ مُقَدَّمٌ مُبْتَدَؤُهُ: (مَعْنَاهُ) أَيْ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ دُونَ لَفْظِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>