غَيْرَهَا، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ عَنِ الْإِتْيَانِ إِلَيْنَا خِدْمَتُهَا، (" قَدْ كَانَ بِهِ ") ، أَيْ: بِأُوَيْسٍ (" بَيَاضٌ ") ، أَيْ: بَرَصٌ (" فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ إِلَّا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ ") ، شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَلَعَلَّهُ أَبْقَاهُ لِلْعَلَامَةِ كَمَا قِيلَ فِي ظُفْرِ آدَمَ: أَنَّهُ أَثَرٌ مِنْ جِلْدِهِ السَّابِقِ، أَوْ تَرَكَ ذَاكَ الْبَعْضَ لِيَكُونَ سَبَبَ تَنَفُّرِهِ، وَلِهَذَا كَانَ يُحِبُّ الْخُمُولَ وَالْعُزْلَةَ وَيَكْرَهُ الشُّهْرَةَ وَالْخُلْطَةَ. (" فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ") . قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، وَفِيهِ طَلَبُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ. أَقُولُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِأُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ: سَمِعْتُ، رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادٍ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ فِيهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ وَهُوَ لَهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَلَوِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» " فَاسْتَغْفِرْ لِي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.
(وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ) ، أَيْ: عُمَرُ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ ") ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ مِنَ الْمُخَضْرَمِينَ، وَحَصَلَ لَهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ عَنْ حُضُورِ حَضْرَتِهِ وَنُورِ طَلْعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (" رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ ") ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَيْرُ التَّابِعِينَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ: أَفْضَلُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ سَعِيدَ أَفْضَلُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهَا لَا فِي كَوْنِهِ أَكْثَرَ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
(" وَلَهُ وَالِدَةٌ ") ، أَيْ: أُمٌّ، وَهُوَ بَارٌّ لَهَا (" وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ ") ، أَيْ بَرَصٌ وَذَهَبَ اللَّهُ بِهِ أَيْ: أَذْهَبَهُ كُلَّهُ إِلَّا قَدْرَ الْيَسِيرِ، وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ (" فَمُرُوهُ ") ، أَيْ: فَالْتَمِسُوهُ أَوْ مُرُوهُ بِنَاءً عَلَى أَمْرِنَا إِيَّاكُمْ أَوْ إِيَّاهُ (" فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ") . قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِاسْتِغْفَارِ أُوَيْسٍ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ الصَّحَابَةُ أَفْضَلَ مِنَ التَّابِعِينَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاضِلَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنَ الْمَفْضُولِ، أَوْ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطَيُّبًا لِقَلْبِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى حَضْرَتِهِ، لَكِنْ مَنَعَهُ بِرُّهُ لِأُمِّهِ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ لِيَنْدَفِعَ بِهِ أَنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّخَلُّفِ اهـ. وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا نُقِلَ أَنَّهُ تَرَكَ أُمَّهُ وَجَاءَ وَاجْتَمَعَ بِالصَّحَابَةِ فَإِنَّ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْإِتْيَانِ كَانَ بِعُذْرِ عَدَمِ مَنْ يَكُونُ فِي خِدْمَتِهَا وَقَائِمًا بِمُؤْنَتِهَا، فَلَمَّا وَجَدَ السَّعَةَ تَوَجَّهَ إِلَى الصَّحَابَةِ أَوْ لَمَّا فُرِضَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ تَعَيَّنَ مَأْتَاهُ أَوْ أَذِنَتْ لَهُ بِالسَّيْرِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
وَفِي الرِّيَاضِ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَسْأَلُهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ وَهُوَ لَهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» " فَاسْتَغْفِرْ لِي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ. قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا. قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرُ فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ فَقَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ: " فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ " فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَجْهَ خَفَائِهِ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ فِي مَادَّةِ الِاسْتِغْفَارِ، وَلَوْ كَانَ ظَاهِرُ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ مَسْتُورًا أَوْ غَيْرُهُ، فَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِغْفَارُ لِلْكُلِّ، وَلَا امْتِنَاعُهُ عَنِ الْبَعْضِ لِمَا يُوجِبُ مِنَ الْإِيحَاشِ وَكَشْفِ الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَحْوَالِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا " «خَيْرُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ» ". رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَنِيُّ وَأَنَّ شَفَاعَتَهُ فِي أُمَّتِي مِثْلَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute