٦٢٩٤ - وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] قَالَ: أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ - وَالدَّارِمِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
ــ
٦٢٩٤ - (وَعَنْ بَهْزِ) : بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ هَاءٍ فَزَايٍ (بْنِ حَكِيمٍ) أَيِ ابْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ الْبَصْرِيِّ، قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ. رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَكِيمٍ وَقَتَادَةُ. (عَنْ جَدِّهِ) ، أَيْ: مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (أَنَّهُ) ، أَيْ: جَدَّهُ (سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: ١١٠] : الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَوِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ بَيْنَ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَيَدُلُّ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَقِيلَ: خَاصٌّ بِالْمُهَاجِرِينَ أَوْ بِالْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: مُبْهَمٌ كَذَا فِي تَفْسِيرِ شَيْخِنَا الْمَرْحُومِ مَوْلَانَا زَيْنِ الدِّينِ عَطِيَّةَ السُّلَمِيِّ الْمَكِّيِّ، وَفِي تَفْسِيرِ الْكُورَانِيِّ، وَقِيلَ: خَاصٌّ بِالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَقِيلَ: كَانَ بِمَعْنَى صَارَ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ، قَوْلُهُ: كُنْتُمْ أَيْ أَنْتُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} [الأعراف: ٨٦] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} [الأنفال: ٢٦] وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: قَوْلُهُ: كُنْتُمْ دَلَّ عَلَى خَيْرِيَّتِهِمْ فِيمَا مَضَى وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى انْقِطَاعٍ طَرَأَ كَقَوْلِهِ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٩٦] اهـ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَكُونُ لِأَوَّلِنَا وَلَا تَكُونُ لِآخِرِنَا، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ، وَأَيَّدَهُ بِحَدِيثِ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» . ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْآخَرُونَ: هُمْ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَالَ السَّيِّدُ الصَّفْوِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] ، أَيْ: أُظْهِرَتْ لِهَذَا الْجِنْسِ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِأُمَّةٍ. وَقَالَ الصَّفْوِيُّ: يَعْنِي أَنْتُمْ خَيْرُ النَّاسِ وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَيُوَضِّحُهُ مَا قَالَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ قَالَ: قَوْلُهُ لِلنَّاسِ مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: خَيْرُ أُمَّةٍ أَيْ أَنْتُمْ خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَعْنَاهُ كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَجِيئُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فَتُدْخِلُونَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤْمِنْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ بِالْقِتَالِ فَهُمْ يُقَاتِلُونَ الْكُفَّارَ، فَيُدْخِلُونَهُمْ فِي دِينِهِمْ فَهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ لِلنَّاسِ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ لِلنَّاسِ مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ أُخْرِجَتْ، وَمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ لِلنَّاسِ أُمَّةً خَيْرًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْبُرْدَةِ بِقَوْلِهِ:
لَمَّا دَعَا اللَّهُ دَاعِيِنَا لِطَاعَتِهِ ... بِأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الْأُمَمِ
إِشَارَةً خَفِيَّةً إِلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَوْنِ الْأُمَّةِ مَوْصُوفًا بِنَعْتِ الْخَيْرِيَّةِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُمْ مَنْعُوتًا بِنَعْتِ الْأَكْرَمِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ عَكَسَ الْقَضِيَّةَ الِاسْتِدْلَالِيَّةَ إِحْلَالًا لِمَرْتَبَةِ الرِّسَالَةِ الْعَلِيَّةِ، فَإِنَّ كَوْنَنَا خَيْرَ أُمَّةٍ مِنْ بَقَايَا جَائِزَتِهِ وَجَدْوَى مُتَابَعَتِهِ، لِأَنَّ تَكْرِيمَ الطَّبْعِ مِنْ تَكْرِيمِ الْمَتْبُوعِ عَلَى مُقْتَضَى الْمَعْقُولِ وَالْمَشْرُوعِ، وَإِلَّا فَيَنْعَكِسُ الْمَطْبُوعُ وَالْمَوْضُوعُ، وَلَا يَظْهَرُ حُسْنُ الْمَصْنُوعِ. (قَالَ) ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنْتُمْ تُتِمُّونَ) : بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ أَيْ تُكْمِلُونَ وَتُوَفُّونَ (" سَبْعِينَ أُمَّةً ") أَيْ مِنَ الْأُمَمِ الْكِبَارِ (" أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ") : قَالَ الطِّيبِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَيْ: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَالْمُرَادُ بِسَبْعِينَ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ لِيُنَاسِبَ إِضَافَةَ الْخَبَرِ إِلَى الْمُفْرَدِ النَّكِرَةِ لِأَنَّهُ لِاسْتِغْرَاقِ الْأُمَمِ الْفَائِتَةِ لِلْحَصْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute