للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمَاءُ الْجِرَاحَةَ فَيَضُرُّهَا» (فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ) : أَيْ: مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى زَعْمِهِ، أَوْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ (هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً) : وَهُوَ ضِدُّ الْعَزِيمَةِ (فِي التَّيَمُّمِ؟) : أَيْ: فِي جَوَازِهِ، وَهُوَ وُجُودُ الْمَاءِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ (قَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتِ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ) : الْجُمْلَةُ حَالٌ، حَمَلُوا الْوِجْدَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْوِجْدَانَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي حُكْمِ الْفُقْدَانِ (فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ) : وَفِي نُسْخَةٍ: رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ) : بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (بِذَلِكَ. قَالَ: " قَتَلُوهُ ") : أَسْنَدَ الْقَتْلَ إِلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لَهُ بِتَكْلِيفِهِمْ لَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَعَ وُجُودِ الْجُرْحِ فِي رَأْسِهِ ; لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ (قَتَلَهُمُ اللَّهُ) : أَيْ: لَعَنَهُمْ، إِنَّمَا قَالَهُ زَجْرًا وَتَهْدِيدًا، وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا قَوَدَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمُفْتِي، وَإِنْ أَفْتَى بِغَيْرِ الْحَقِّ.

(أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا) : أَلَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ حَرْفُ تَحْضِيضٍ دَخَلَ عَلَى الْمَاضِي، فَأَفَادَ التَّنَدُّمَ، وَإِذَا ظَرْفٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ إِذْ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنَ النُّسْخَتَيْنِ، وَالْفَاءُ الْآتِيَةِ لِلتَّسَبُّبِ، وَالْمَعْنَى: فَلَمْ يَسْأَلُوا، وَلَمْ يَتَعَلَّمُوا مَا لَا يَعْلَمُونَ.

(فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَهُوَ عَدَمُ الضَّبْطِ، وَالتَّحَيُّرِ فِي الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ (السُّؤَالُ) : فَإِنَّهُ لَا شِفَاءَ لِدَاءِ الْجَهْلِ إِلَّا التَّعَلُّمُ، عَابَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْإِفْتَاءِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَلْحَقَ بِهِمُ الْوَعِيدَ بِأَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ مُقَصِّرِينَ فِي التَّأَمُّلِ فِي النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ) أَيِ: الرَّجُلَ الْمُحْتَلِمَ (أَنْ يَتَيَمَّمَ) : أَوَّلًا (وَيَعْصِبَ) : أَيْ: يَشُدَّ (عَلَى جُرْحِهِ) : بِضَمِّ الْجِيمِ (خِرْقَةً) : حَتَّى لَا يَصِلَ إِلَيْهِ الْمَاءُ (ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا) : أَيْ: عَلَى الْخِرْقَةِ بِالْمَاءِ (وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ) : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَغَسْلِ سَائِرِ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ، دُونَ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَالْجَوَابُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ -: أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْقِيَاسِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ خَافَ التَّلَفَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ خَافَ الزِّيَادَةَ فِي الْمَرَضِ أَوْ تَأْخِيرَ الْبُرْءِ جَازَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ: أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ بِلَا إِعَادَةٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ كَانَ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ قَرْحٌ أَوْ كَسْرٌ أَوْ جُرْحٌ، وَأَلْصَقَ عَلَيْهِ جَبِيرَةً، وَخَافَ مِنْ تَرْكِهَا التَّلَفَ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ، وَيَضُمُّ إِلَى الْمَسْحِ التَّيَمُّمَ، وَلَا يَقْضِي عَلَى الرَّاجِحِ إِنْ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ عَلَى طُهْرٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إِذَا كَانَ بَعْضُ جَسَدِهِ جَرِيحًا أَوْ قَرِيحًا وَبَعْضُهُ صَحِيحًا ; إِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ صَحِيحًا غَسَلَهُ، وَمَسَحَ عَلَى الْجُرْحِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ جَرِيحًا تَيَمَّمَ، وَيَسْقُطُ الْغُسْلُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَغْسِلُ الصَّحِيحَ، وَيَتَيَمَّمُ لِلْجُرْحِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: لَا يَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ. يَعْنِي: بَابَ الْمَسْحِ عَلَى الْعَصَائِبِ وَالْجَبَائِرِ، وَلَكِنْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِعْلُهُ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>