الْفَصْلُ الثَّانِي
٥٤٠ - عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
٥٤٠ - (عَنْ سَمُرَةَ) : بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ (ابْنِ جُنْدُبٍ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ وَتُفْتَحُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ» ") : الْمُخْتَارُ فِيهَا كَسْرُ النُّونِ وَسُكُونُ الْعَيْنِ، وَيَجُوزُ فَتْحُ النُّونِ وَكَسْرُ الْعَيْنِ، وَهَذَا كَلَامٌ يُطْلَقُ لِلتَّجْوِيزِ وَالتَّحْسِينِ، وَتَقْدِيرُهُ بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ هِيَ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي " فَبِهَا " لِلسُّنَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، بَلْ حُكْمًا مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ، وَرُوِيَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ التَّقْدِيرَ: فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ، وَنِعْمَتِ الْخَصْلَةُ هِيَ، قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ أَخْذًا بِالسُّنَّةِ إِذَا اغْتَسَلَ، وَأَمَّا إِذَا تَوَضَّأَ فَإِنَّمَا أَتَى بِالْفَرْضِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: فَبِالشَّرِيعَةِ أَوِ الرُّخْصَةِ أَوِ الْفِعْلَةِ أَوِ الْخَصْلَةِ اهـ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: فَبِالرُّخْصَةِ ; إِذِ الْفِعْلَةُ وَالْخَصْلَةُ مُبْهَمَةٌ، وَالشَّرِيعَةُ عَامَّةٌ شَامِلَةٌ، قِيلَ: فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ، وَنِعْمَتِ السُّنَّةُ الَّتِي تَرَكَهَا، أَيِ: الْغُسْلُ، وَهَذَا وَإِنْ قَوِيَ مَعْنًى ضَعِيفٌ لَفْظًا ; لِاخْتِلَافِ مَرْجِعِ الضَّمِيرَيْنِ مَعَ عَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَرْجِعِ الثَّانِي، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ: فَبِالْفَرْضِيَّةِ أَخَذَ، وَنِعْمَتِ الْفَرْضِيَّةُ هِيَ، أَيْ: أَوْ بِخَصْلَةِ النَّظَافَةِ أَخَذَ، وَنِعْمَتِ الْخَصْلَةُ هِيَ. (وَمَنِ اغْتَسَلَ) : أَيْ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِصَلَاتِهَا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ إِلَّا قَبْلَ الْفَرْضِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ (فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) : لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ أَكْمَلُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ بِأَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا خَبَرُ مُسْلِمٍ: " «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» ". (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ) : وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، بَلْ صَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغِ الْقَائِلَ بِالْوُجُوبِ، وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّ حَدِيثَ الْوُجُوبِ أَصَحُّ فَقُدِّمَ عَلَى هَذَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ أَصَحِّيَّتَهُ لَا تَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ إِلَّا عَلَى ضِدِّهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَا يَجُوزُ إِلْغَاءُ الصَّحِيحِ بِالْأَصَحِّ، بَلْ يَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَمِنْ ثَمَّ أَوَّلْنَا الْأَصَحَّ بِمَا يُوَافِقُ الصَّحِيحَ لَا الْعَكْسُ ; لِتَعَذُّرِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوُجُوبَ يُطْلَقُ كَثِيرًا شَائِعًا عَلَى التَّأْكِيدِ ; كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَدْحُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ، وَجَعْلُ الْغُسْلِ أَفْضَلُ مِنْهُ فَلَا يُطْلَقُ ذَلِكَ مَعَ فَرْضِ وُجُوبِ الْغُسْلِ مُطْلَقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute