للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٤٢ - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَمِنَ الْحِجَامَةِ، وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

٥٤٢ - (وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ) : أَيْ: يَرَى الْغُسْلَ (مِنْ أَرْبَعٍ) : أَيْ: يَأْمُرُ بِالِاغْتِسَالِ مِنْهُنَّ ; إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ غَسَّلَ مَيِّتًا فَاغْتَسَلَ مِنْ غُسْلِهِ، فَإِنَّهُ مَا غَسَّلَ مَيِّتًا قَطُّ، وَهَذَا كَرِوَايَةِ مَاعِزٍ أَنَّهُ رَجَمَ مَاعِزًا أَيْ: أَمَرَ بِرَجْمِهِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الْغَسَّالَ بِالِاغْتِسَالِ. وَقَوْلُهَا: (مِنَ الْجَنَابَةِ) : بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ أَيْ: مِنْ أَجْلِهَا فَمِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ، وَقِيلَ: ابْتِدَائِيَّةٌ، وَهِيَ لَا تَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ بَلْ تَعَسُّفٍ، ثُمَّ لَا دَلِيلَ فِي عَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ مِثْلُهُ ; لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ غَيْرُ حُجَّةٍ كَمَا بُيِّنَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، قَالَ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] وَالْأَكْلُ جَائِزٌ، وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا فِيهِمَا (وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ) : بِالْجَرِّ، وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِلسَّابِقِ وَاللَّاحِقِ، وَإِنْ صَحَّ النَّصْبُ فَيَكُونُ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْجَنَابَةِ، لَكِنْ لَا مَعْنَى لِلْغُسْلِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا بِجَعْلِ مِنَ الْمُقَدَّرَةِ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَطْفِ لِلتَّعْلِيلِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ رَدُّ مَا قِيلَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْتَ بِمَنْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ; لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ لَهُ وَلِكَرَامَتِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ وَلِكَرَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَصْلُحِ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا اهـ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَرْكِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الْغُسْلِ الْوَاحِدِ فِيهِ يَنُوبُ عَنِ الْجَنَابَةِ وَعَنِ السُّنَّةِ (وَمِنَ الْحِجَامَةِ) : بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: لِلْمَحْجُومِ، وَاغْتِسَالُهُ مِنَ الْحِجَامَةِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى، وَلَمَّا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهُ مِنْ رَشَاشِ الْحِجَامَةِ فَتُسْتَحَبُّ النَّظَافَةُ، وَتَرْدِيدُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْغُسْلَ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ لِلْمَحْجُومِ أَوْ لَهُ وَلِلْحَاجِمِ؟ لَا وَجْهَ لَهُ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اغْتَسَلَ لَمَّا حَجَمَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ مِنْ حَجْمِهِ هُوَ لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقُلْ عَنْهُ، وَلَا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ لِمَقَامِهِ الشَّرِيفِ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ فَتَدَبَّرْ (وَمَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ) .

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَسَّلَ مَيِّتًا وَاغْتَسَلَ مِنْهُ، وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضٌ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ. قُلْتُ: سَنَدُهُ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ لَنُقِلَ، وَأَمَّا هَذَا فَغَيْرُ صَرِيحٍ بَلْ مُحْتَمَلٌ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ كَانَ غَالِبًا لِلِاسْتِمْرَارِ وَإِفَادَةِ التِّكْرَارِ، وَهُوَ بِأَصْلِهِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ، ثُمَّ أَغْرَبَ وَاعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الطِّيبِيِّ كَمَا فِي رَجَمَ مَاعِزًا أَيْ: أَمَرَ بِرَجْمِهِ، بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ رَكَاكَةٌ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى ; لِأَنَّ عَائِشَةَ نَاقِلَةٌ عَنْهُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، فَأَيُّ إِسْنَادٍ إِلَيْهِ هُنَا، حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْأَمْرِ، بَلْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ فَسَادٌ لَوْ تُصُوِّرَ وُجُودُهُ، إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: وَمِنْ أَمْرِهِ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا سَفْسَافٌ اهـ.

قُلْتُ: الرَّكَاكَةُ وَالْفَسَادُ إِنَّمَا ظَهَرَ لِفَسَادِ الْفَهْمِ فِي مَحَلِّ إِسْنَادٍ، فَالطِّيبِيُّ لَمَّا نَظَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، وَرَأَى مَا يُوهِمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَسَّلَ الْمَيِّتَ، وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ حَمْلُ قَوْلِ عَائِشَةَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: " كَانَ يَغْتَسِلُ " عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِتَعَذُّرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَقَالَ: مَعْنَى يَغْتَسِلُ أَيْ: كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالِاغْتِسَالِ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلِذَا جَعَلَ نَظِيرَهُ رَجْمَ مَاعِزٍ، فَإِنَّ الرَّجْمَ مَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اتِّفَاقًا، بَلْ وَقَعَ بِأَمْرِهِ، فَتَأَمَّلْ لِيَظْهَرْ لَكَ مَوْضِعُ الزَّلَلِ وَمَوْضِعُ الْخَطَلِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَقَالَ مِيرَكُ شَاهْ: لَمْ يُنْقُلْ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَسَّلَ مَيِّتًا قَطُّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: " يَغْتَسَلُ "، وَسَاقَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>