عَنْهَا الْبَوَاقِي، وَلِذَا اسْتَغْنَى عَنْ عَدِّهَا وَتَرْكِ السَّيِّئَاتِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْفُضُولِ الْمَالِيَّةِ، بَلْ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ وَهْمِيٍّ بِالْمَوْجُودِ الْحَقِيقِيِّ، وَبَذْلُ الْمَالِ الَّذِي هُوَ شَقِيقُ الرُّوحِ؛ لِاسْتِفْتَاحِ أَبْوَابِ الْفُتُوحِ، وَاللَّامُ فِيهِمَا لِلْعَهْدِ أَوْ، لِلْجِنْسِ فَيَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلِ كَقَوْلِهِمْ: هُوَ الرَّجُلُ كَأَنَّ مَا عَدَا صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ وَزَكَاتَهُمْ لَيْسَ صَلَاةً وَلَا زَكَاةً. [ (فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ) ] أَيِ الْمَذْكُورَ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَيُسَمَّى الْقَوْلُ فِعْلًا؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ اللِّسَانِ، أَوْ تَغْلِيبًا [ (عَصَمُوا) ] بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ: حَفِظُوا وَمَنَعُوا [ (مِنِّي) ] أَيْ مِنْ أَتْبَاعِي أَوْ مِنْ قِبَلِي وَجِهَةِ دِينِي [ (دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) ] أَيِ اسْتِبَاحَتَهُمْ بِالسَّفْكِ وَالنَّهْبِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ [ (إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ) ] أَيْ دِينِهِ، وَالْإِضَافَةُ لَامِيَّةٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ عَامِّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، أَيْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِهْدَارُ دِمَائِهِمْ وَاسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ مِنِ اسْتِيفَاءِ قَصَاصِ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ، إِذَا قُتِلَ أَوْ قُطِعَ، وَمِنْ أَخْذِ مَالٍ إِذَا غُصِبَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَقَتْلٍ لِنَحْوِ زِنَا مُحْصَنٍ، وَقَطْعٍ لِنَحْوِ سَرِقَةٍ، وَتَغْرِيمِ مَالٍ لِنَحْوِ إِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ، وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ بِحَذْفِ مَوْصُوفٍ، أَيْ إِلَّا دِمَاءً أَوْ أَمْوَالًا مُلْتَبِسَةً بِحَقٍّ، [وَحِسَابُهُمْ] أَيْ فِيمَا يَسْتُرُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي بَعْدَ ذَلِكَ [عَلَى اللَّهِ] ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جَزَاءِ الشَّرْطِ، وَالْمَعْنَى أَنَّا نَحْكُمُ بِظَاهِرِ الْحَالِ وَالْإِيمَانِ الْقَوْلِي، وَنَرْفَعُ عَنْهُمْ مَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَنُؤَاخِذُهُمْ بِحُقُوقِ الْإِسْلَامِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ حَالِهِمْ، لَا أَنَّهُمْ مُخْلِصُونَ، وَاللَّهُ يَتَوَلَّى حِسَابَهُمْ، فَيُثِيبُ الْمُخْلِصَ، وَيُعَاقِبُ الْمُنَافِقَ، وَيُجَازِي الْمُصِرَّ بِفِسْقِهِ، أَوْ يَعْفُو عَنْهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَبْطَنَ الْكُفْرَ يُقْبَلُ إِسْلَامُهُ فِي الظَّاهِرِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ، وَهُوَ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِأَنْ يُقِرَّ أَوْ يُطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى كُفْرٍ كَانَ يُخْفِيهِ، فَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ، لَكِنَّهُ إِنْ صَدَقَ فِي تَوْبَتِهِ نَفَعَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ مِنْهُ مَرَّةً فَقَطْ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ السَّيْفِ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً لِلضَّلَالِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْقِتَالَ وَالْعِصْمَةَ إِنَّمَا هُمَا فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الْأُخْرَوِيَّةُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَكَمِّيَّتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، فَهُوَ مُفَوَّضٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا دَخْلَ لَنَا فِيهِ اهـ.
وَقَدْ يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحِسَابَ كَالْوَاجِبِ فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ، وَقِيلَ: هُوَ وَاجِبٌ شَرْعًا بِحَسَبِ وَعْدِهِ تَعَالَى بِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَقَعَ لَا أَنَّهُ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ وُجُوبَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَقْلًا، ثُمَّ الْحِسَابُ مَصْدَرٌ كَالْمُحَاسَبَةِ، وَهُوَ الْعَدُّ. قِيلَ: وَمَعْنَى حِسَابِهِمْ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ يُعْلِمُهُمْ مَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَخْلُقَ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ فِي قُلُوبِهِمْ بِمَقَادِيرِ أَعْمَالِهِمْ، وَبِمَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حِسَابَ عَلَى الْخَلْقِ، بَلْ يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، وَيُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، فَيُقَالُ: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهَا، ثُمَّ يُعْطَوْنَ حَسَنَاتِهِمْ فَيُقَالُ: قَدْ ضَاعَفْتُهَا لَكُمْ، فَيَكُونُ مَجَازًا مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ سَبَبٌ لِحُصُولِ عِلْمِ الْإِنْسَانِ بِمَا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ يُجَازِيهِمْ إِذِ الْحِسَابُ سَبَبٌ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة: ٢٠٢] وَمَعْنَى سُرْعَتِهِ أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعَالَى مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتَقِرَ فِي إِحْدَاثِ شَيْءٍ إِلَى فِكْرٍ، وَرَوِيَّةٍ، وَمُدَّةٍ، وَعُدَّةٍ؛ وَلِذَا وَرَدَ أَنَّهُ يُحَاسِبُ الْخَلْقَ فِي مِقْدَارِ حَلْبَةِ شَاةٍ أَوْ فِي لَمْحَةٍ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى رِوَايَةِ جَمِيعِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْ: [إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ] : لَكِنَّهُ مُرَادٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا} [التوبة: ٥] أَيْ عَنِ الْكُفْرِ بِإِتْيَانِ الشَّهَادَتَيْنِ {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] وَفِي الْجَامِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute