اسْتَحْوَضَ الْمَاءُ إِذَا اجْتَمَعَ، فَإِذَا كَثُرَ وَامْتَلَأَ وَلَمْ يَكُنْ جَنِينٌ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ انْصَبَّ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ بِالْحَيْضَةِ ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ فِي أَقْصَى الرَّحِمِ، ثُمَّ يَجْتَمِعُ فِيهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ جَنِينٌ تَغَذَّى بِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جَنِينٌ خَرَجَ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ لَهُ مِنَ الْعَادَةِ غَالِبًا، وَهَذِهِ مِنْ عِرْقٍ فِي أَدْنَاهُ (فَإِذَا أَقْبَلَتْ حِيضَتُكِ) : بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلْحَيْضِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْفَتْحِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْحَالَةُ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا وَهِيَ تَعْرِفُهَا، فَيَكُونُ رَدًّا إِلَى الْعَادَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْحَالَةُ الَّتِي تَكُونُ لِلْحَيْضِ مِنْ قُوَّةِ الدَّمِ فِي اللَّوْنِ وَالْقَوَامِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُرْوَةَ الَّذِي يَتْلُوهُ، وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ أَيَّامَهَا، فَيَكُونُ رَدًّا إِلَى التَّمْيِيزِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ مَنَعَ اعْتِبَارَ التَّمْيِيزِ مُطْلَقًا، وَالْبَاقُونَ عَمِلُوا بِالتَّمْيِيزِ فِي حَقِّ الْمُبْتَدِأَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا تَعَارَضَتِ الْعَادَةُ وَالتَّمْيِيزُ، فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا التَّمْيِيزَ وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى الْعَادَةِ، وَعَكَسَ ابْنُ خَيْرَانِ اهـ.
وَالْفِرْقَةُ الْأُولَى يَقُولُونَ: إِنَّ حَدِيثَ عُرْوَةَ وَهَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي تَمَسَّكْنَا بِهِ صَحِيحٌ، فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. أَيْ: إِذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضَتِكِ (فَدَعِي الصَّلَاةَ) : أَيْ: اتْرُكِيهَا (وَإِذَا أَدْبَرَتْ) : أَيْ: تَوَلَّتْ حَيْضَتُكِ وَجَاوَزَ دَمُكِ أَيَّامَ عَادَتِكِ (فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ) أَيْ: أَثَرَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَاغْتَسِلِي مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَعَلَّ الِاكْتِفَاءَ بِغَسْلِ الدَّمِ دُونَ غُسْلِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ (ثُمَّ صَلِّي) : قَالَ الشَّافِعِيُّ: تَغْسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتَشُدُّهُ بِعِصَابَةٍ وَتَتَوَضَّأُ، أَوْ تَسْتَعْجِلُ فِي أَدَائِهَا وَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِي جَرَيَانِ الدَّمِ فِيهَا، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute