١٣ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
١٣ - (وَعَنْ أَنَسٍ) مَرَّ ذِكْرُهُ (أَنَّهُ) هُوَ ثَابِتٌ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا) أَيْ كَمَا نُصَلِّي، وَلَا تُوجَدُ إِلَّا مِنْ مُوَحِّدٍ مُعْتَرِفٍ بِنُبُوَّتِهِ، وَمَنِ اعْتَرَفَ بِهِ فَقَدِ اعْتَرَفَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، فَلِذَا جَعَلَ الصَّلَاةَ عَلَمًا لِإِسْلَامِهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّهَادَتَيْنِ لِدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، (وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا) : إِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ انْدِرَاجِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ أَعْرَفُ، إِذْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ قِبْلَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ صَلَاتَهُ، وَلِأَنَّ فِي صَلَاتِنَا مَا يُوجَدُ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ، وَاسْتِقْبَالُ قِبْلَتِنَا مَخْصُوصٌ بِنَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَرْكَانِ اكْتِفَاءً بِالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ، أَوْ لِتَأَخُّرِ وُجُوبِ تِلْكَ الْفَرَائِضِ عَنْ زَمَنِ صُدُورِ هَذَا الْقَوْلِ، ثُمَّ لَمَّا مُيِّزَ الْمُسْلِمُ عَنْ غَيْرِهِ عِبَادَةً ذَكَرَ مَا يُمَيِّزُهُ عِبَادَةً وَعَادَةً بِقَوْلِهِ: (وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا) ; فَإِنَّ التَّوَقُّفَ عَنْ أَكْلِ الذَّبَائِحِ كَمَا هُوَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَكَذَلِكَ مِنَ الْعَادَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الْمِلَلِ الْمُتَقَدِّمَاتِ، وَالذَّبِيحَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَالتَّاءُ لِلْجِنْسِ كَمَا فِي الشَّاةِ (فَذَلِكَ) أَيْ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (الْمُسْلِمُ) ، أَوْ صِفَتُهُ وَخَبَرُهُ (الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ) أَيْ أَمَانُهُمَا وَعَهْدُهُمَا مِنْ وَبَالِ الْكُفَّارِ، وَمَا شُرِعَ مِنَ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ وَغَيْرِهِمَا، أَيْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ هَذَا، وَكَرَّرَ لَفْظَةَ (ذِمَّةُ) إِشْعَارًا بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ، وَأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: ( «فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» ) مِنَ الْإِخْفَارِ أَيْ لَا تَخُونُوا اللَّهَ فِي عَهْدِهِ، وَلَا تَتَعَرَّضُوا فِي حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَعِرْضِهِ، أَوِ الضَّمِيرُ لِلْمُسْلِمِ أَيْ فَلَا تَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، " فِي ذِمَّتِهِ " أَيْ مَا دَامَ هُوَ فِي أَمَانِهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute