للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٥٦٧ - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ. وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ، قَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ ـ أَوْ حَدَّكَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٥٦٧ - (وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ) : يُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقَضِيَّةِ وَاتِّحَادُهَا (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي) : بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا (أَصَبْتُ حَدًّا) : أَيْ: مُوجِبَةً، عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: فَعَلْتُ شَيْئًا يُوجِبُ الْحَدَّ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ (فَأَقِمْهُ) : أَيِ: الْحَدَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ حُكْمُ اللَّهِ (عَلَيَّ. قَالَ) : أَيِ: الرَّاوِي، وَهُوَ أَنَسٌ (وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ أَيْ: لَمْ يَسْأَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ عَنْ مُوجِبِ الْحَدِّ مَا هُوَ؟ قَالَهُ الطِّيبِيُّ قِيلَ: لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَفَ ذَنْبَهُ وَغُفْرَانَهُ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. (وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ) : أَيْ: إِقَامَتُهَا (فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيْ: إِحْدَى الصَّلَوَاتِ أَوِ الْعَصْرَ (فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ) : أَيْ: أَدَّاهَا وَانْصَرَفَ عَنْهَا (قَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِيَّ) : أَيْ: فِي حَقِّي (كِتَابَ اللَّهِ) : أَيْ: حُكْمَ اللَّهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْمَعْنَى: اعْمَلْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ فِي شَأْنِي مِنْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي تَغْيِيرِهِ بَيْنَ الْأُسْلُوبَيْنِ غَايَةُ الذَّكَاءِ وَالْبَلَاغَةِ مِنْهُ، فَلَمَّا عَلِمَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السُّكُوتَ عَنْهُ حِينَ قَالَ لَهُ: أَقِمْهُ، أَيْ: أَنَّ وَاجِبَهُ غَيْرُ الْحَدِّ، فَعَبَّرَ هُنَا بِمَا يَشْمَلُ الْحَدَّ وَغَيْرَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ (قَالَ: " أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ " قَالَ: نَعَمْ) : هَذَا يُنَافِي مَا اشْتُهِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] لَوْ قَالُوا: نَعَمْ، لَكَفَرُوا (قَالَ: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ، أَوْ حَدَّكَ ") : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَهُ مِيرَكُ. أَيْ: سَبَبَ حَدِّكَ، قَالَهُ السَّيِّدُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ ; فَإِنَّ مُوجِبَ الْحَدِّ لَا يَكُونُ إِلَّا كَبِيرَةً، وَقَدْ صَرَّحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُفْرَانِهِ بِوَاسِطَةِ صَلَاتِهِ مَعَهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ هُوَ الرَّجُلَ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ، فَأَرَادَ بِالْحَدِّ الْعُقُوبَةَ الشَّامِلَةَ لِلتَّعْزِيرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ حَقِيقَتُهُ، وَأَنَّ سَبَبَ مَغْفِرَةِ إِثْمِ مُوجِبِهِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ لَوَائِحِ التَّوْبَةِ، وَحِكْمَةُ كَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلِمَ لَهُ نَوْعَ عُذْرٍ، فَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ حَتَّى لَا يُقِيمَهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَوْ أَعْلَمَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إِقَامَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَابَ ; لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ إِلَّا حَدَّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ لِلْآيَةِ، وَكَذَا حَدُّ زِنَا الذِّمِّيِّ إِذَا أَسْلَمَ.

وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الصَّلَاةَ كَفَّرَتْ كَبِيرَةً، بَلْ لَوْ فُرِضَ ذَلِكَ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ لِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>