الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا انْحَطَّتْ لِلزَّوَالِ كَأَنَّهَا دَحَضَتْ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ: غَرَضُ الرَّاوِي أَنْ يِعْرِفَ الْمُخَاطَبِينَ أَنَّ الْهَجِيرَ وَالْأُولَى وَالظُّهْرَ وَاحِدٌ (وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ) : أَيْ: بَعْدَ الصَّلَاةِ (أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ) : أَيْ: مَنْزِلِهِ (فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ) : صِفَةٌ لِرَحْلِهِ، وَلَيْسَ بِظَرْفٍ لِلْفِعْلِ. أَيِ: الْكَائِنُ فِي أَبْعَدِ الْمَدِينَةِ وَآخِرِهَا (وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ) : الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ: أَيْ: صَافِيَةُ اللَّوْنِ عَنِ التَّغْيِيرِ وَالِاصْفِرَارِ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، فَكَأَنَّهُ قَدْ مَاتَ. قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ: حَيَاةُ الشَّمْسِ مُسْتَعَارَةٌ عَنْ بَقَاءِ لَوْنِهَا وَقُوَّةِ ضَوْئِهَا وَشِدَّةِ حَرِّهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْمَغِيبَ مَوْتَهَا (وَنَسِيتُ) : أَيْ: قَالَ سَيَّارُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَفِي الْمَصَابِيحِ: قَالَ عَوْفٌ، قِيلَ هُوَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَهُوَ سَهْوٌ، إِذْ هُوَ رَاوٍ عَنْ سَيَّارٍ (مَا قَالَ) : أَيْ: أَبُو بَرْزَةَ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَابْنُ حَجَرٍ، وَعَلَى مَا فِي الْمَصَابِيحِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ سَيَّارًا (فِي الْمَغْرِبِ) : أَيْ: فِي حَقِّ صَلَاتِهِ (وَكَانَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى كَانَ يُصَلِّي (يَسْتَحِبُّ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ (أَنْ يُؤَخِّرَ) : عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ أَوِ الْمَجْهُولِ (الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ) : قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَتَمَةُ هِيَ الظُّلْمَةُ الَّتِي بَعُدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَائِدَةُ الْوَصْفِ هَنَا نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْأَوَّلِ، وَلِمَا يَأْتِي أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهَا إِلَّا بِالْعَتَمَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً الَّتِي هِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَنَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلَا إِنَّهَا الْعِشَاءُ، الْحَدِيثَ. وَتَسْمِيَتُهَا عَتَمَةً فِي خَبَرِ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورِ لِلتَّنْزِيهِ، أَوْ أَنَّهُ خَاطَبَ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعِشَاءَ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَهَا الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ، وَإِنْكَارُ الْأَصْمَعِيِّ لَهُ غَلَطٌ فَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِهِ اهـ.
وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ. (وَكَانَ) : أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا) : لِخَوْفِ الْفَوْتِ (وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا) : أَيِ: التَّحَدُّثَ بِكَلَامِ الدُّنْيَا لِيَكُونَ خَتْمُ عَمَلِهِ عَلَى عِبَادَةٍ، وَآخِرُهُ ذِكْرُ اللَّهِ، فَإِنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ، أَكْثَرُهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا، وَبَعْضُهُمْ رَخَّصَ فِي رَمَضَانَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ، فَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ. قَالَ: لَأَنْ أَنَامَ عَنِ الْعِشَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اللَّغْوِ بَعْدَهَا، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمُ التَّحَدُّثَ فِي الْعِلْمِ، وَفِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْحَوَائِجِ وَمَعَ الْأَهْلِ وَالضَّيْفِ. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ قَرَضَ بَيْتَ شِعْرٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ» " وَخُصَّ ذَلِكَ بِالشِّعْرِ الْمَذْمُومِ، وَفِي خَبَرِ أَحْمَدَ: «لَا سَمَرَ إِلَّا لِمُصَلٍّ وَمُسَافِرٍ» . قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنَ الْمُحَرَّمِ قِرَاءَةُ نَحْوِ: سِيرَةِ الْبَطَّالِ، وَعَنْتَرَةَ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فِي خَيْرٍ أَوْ لِعُذْرٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ (وَكَانَ يَنْفَتِلُ) : أَيْ: يَنْصَرِفُ أَوْ يَلْتَفِتُ إِلَى الْمَأْمُومِينَ (مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) : أَيِ: الصُّبْحِ (حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ) : أَيْ: مُجَالِسَهُ بِجَنْبِهِ (وَيَقْرَأُ) : أَيْ: فِي الصُّبْحِ (بِالسِتِّينَ) : أَيْ: آيَةً، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ كَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْآيَاتِ فِي الصَّلَاةِ، وَرُبَّمَا يَزِيدُ (إِلَى الْمِائَةِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا أَنْسَبُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ.
(وَفِي رِوَايَةٍ) : أَيْ: لِلشَّيْخَيْنِ (وَلَا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) : بَلْ يَسْتَحِبُّهُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute