للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال بالآية:

أباح -سبحانه- نكاح المسلمة, والكتابية, ولم يقيد الإباحة بدار دون دار, فمن حلَّ نكاحها في دار الإسلام, حل نكاحها في دار الحرب، لكن النكاح بدار الحرب مكروه؛ لعدة أمور, منها:

أولاً: النكاح بدار الحرب فيه تكثير لسواد أهل الحرب؛ بنزول المسلم بينهم، وتكاثر نسله عندهم.

ثانياً: فيه تعريض للولد للرق, وللأسر, وللتخلق بأخلاق أهل الكفر, وقد يُغلب الأب المسلم على ولده, فيُسترق, ويُعلم الكفر.

واحتمال هذين الأمرين قائم حتى لو كانت المنكوحة بدار الحرب امرأة مسلمة (١).

القول الثاني:

يحرم نكاح المسلم الحُر بأرض العدو, سواءً تزوج حربية, أو مسلمة, إلا إذا غلبت عليه الشهوة فإنه ينكح مسلمة, ويعزل عنها, وهذا هو المذهب عند الحنابلة (٢).

دليل القول الثاني:

من نكح بدار الحرب لا يأمن أن تأتي امرأته, بولد فيستولي عليه الكفار، وربما نشأ بينهم، فيصير على دينهم, فإن غلبت عليه الشهوة، أبيح له نكاح مسلمة؛ لأنها حال ضرورة، ويعزل عنها؛ كي لا تأتي بولد يتربى بدار الحرب (٣).

نوقش من وجهين:

الوجه الأول: الأصل في النكاح الحل، فلا يحرم بالشك, والتوهم (٤).

الوجه الثاني: إذا جاز وطء الحربية بالسبي، فمن باب أولى أن يجوز وطئها بالنكاح (٥).

الترجيح:

يظهر -والله أعلم- رجحان قول الجمهور؛ القائل بكراهة النكاح بدار الحرب؛ لوجاهة ما استدلوا به, ولموافقته النص القرآني, الصريح, المطلق في إباحة نكاح المسلمة والكتابية, دون تقييد بدار معينة, ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني.


(١) ينظر: المبسوط, للسرخسي ٥/ ٥٠, وحاشية ابن عابدين ٣/ ٤٥, والمختصر الفقهي, لابن عرفة ٣/ ٣٠٩, وحاشية الصاوي ٢/ ٤٢٠, والأم, للشافعي ٤/ ٢٨٢, والحاوي الكبير, للماوردي ٩/ ٢٤٦, ومغني المحتاج, للشربيني ٤/ ٣١١ - ٣١٢, والمغني, لابن قدامة ٩/ ٢٩٣.
(٢) ينظر: المغني, لابن قدامة ٩/ ٢٩٣, ومطالب أولي النهى, للسيوطي ٥/ ٧, وحاشية الروض المربع, لابن قاسم ٦/ ٢٢٨.
(٣) ينظر: المغني, لابن قدامة ٩/ ٢٩٣, ومطالب أولي النهى, للسيوطي ٥/ ٧.
(٤) ينظر: المغني, لابن قدامة ٩/ ٢٩٣.
(٥) ينظر: الحاوي الكبير, للماوردي ٩/ ٢٤٦.

<<  <   >  >>