ومعلوم أن العبد قد يعمل عملًا من الأعمال، ويعمله آخر كما عمله هذا -من حيث الظاهر- فهذا تصدق بمائة، وهذا تصدق بمائة، وبينهما كما بين السماء والأرض. فقد يتصدق الإنسان وهو يعد هذه الصدقة مغرمًا، ولربما أخرجها كارهًا محرجًا، وآخر: أخرجها رغبة، لكن في نفسه أنه يمنّ بصدقته، وثالث: أخرجها وفي قلبه الحياء من الله والخوف منه، والإشفاق ألا تقبل، وأن هذا قليل من كثير مما أعطاه الله -عز وجل-، وأن الله هو الذي وفقه وهداه وسدده إلى هذه الصدقة والعمل الصالح، وأنه بحاجة للمزيد من العبودية؛ ليشكر الله على هذا الإنعام أولًا وآخرًا؛ فكل منهم له جزاء مختلف عن الآخر!.
النية في طلب العلم؛ قد يطلب الإنسان العلم لدنيا، وقد يطلبه ليعرف ربه ومعبوده، ويقترب إليه، فتكون له نية صحيحة، فكم بينهما من الفرق، والمجلس واحد، فهما في مجلس واحد، في مكان واحد، ومع ذلك كم من الفرق بين هذا وهذا؛ إنما كان الفرق بينهم لاختلاف النية، يقول ابن المبارك -رحمه الله-: "رُبَّ عمل صغير تكثره النية، ورُبَّ عمل كثير تصغره النية"(١).
وهذا كما يقال في الطاعات يقال في المعاصي؛ قد يعمل رجلان معصية واحدة لكن هذا عملها وهو مستهتر، مستخف، متبجح، يتباهى بعملها، ويجاهر في ذلك، وكأن معصيته ذباب جاء على وجهه فقال به هكذا. وآخر يعمل معصية وهو خائف من الله، مُسْتَحٍ منه، يستشعر أن الله يراه ويراقبه، لكنه غُلِب بفترة ضعفت نفسه فيها، ثم لا يلبث أن يراجع؛