(ج) سوء القصد: وهو أعظمها؛ بأن لا يقصد الإنسان من طلب العلم إلا نصرة قوله، بصرف النظر عن كونه صوابًا أو خطأ، فمن كانت هذه نيته فإنه يُحرم الوصول إلى العلم، نسأل الله العافية؛ لأنه يقصد من العلم اتباع الهوى.
والاشتباه لا يكون على جميع الناس بدليلين؛ أحدهما من النص وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ»(١)، يعني: وكثيرٌ يعلمهن. والثاني من المعنى، فلو كانت النصوص مشتبهة على جميع الناس، لم يكن القرآن بيانًا ولبقي شيء من الشريعة مجهول، وهذا متعذر وممتنع.
[(٢) التعلق بغير الله]
التعلق المذموم الذي يعكر صفو العبادة القلبية له صور عدة؛ منها ما هو ظاهر كتعلق المرء بالمال والولد، ومنها ما هو خفي يقع المسلم فيه دون أن يشعر. ومن أشكاله تعلق بعض الناس بالأسباب، فيلقي إليها بكل اعتماده، ويعلق عليها كلَّ آماله، حتى أدى بالبعض إلى نسيان رب الأسباب، وترك تعليق قلبه بمسبب الأسباب، فالله الذي هيأ الأسباب، ولولاه -سبحانه- ما كان لها أثر. وهذا منعطف خطير في العقيدة قد يفضي إلى الشرك.
كما أن ترك الأسباب نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، والسبيل هو التوكل، والرجاء مع بذل الأسباب.
ولذلك شرعت لنا عبادات فيها تسخير للسبب كالدعاء، ومن الدعاء الذي يتجلى فيه تسخير السبب صلاة الاستخارة، والدعاء الوارد فيها، كما جاء في حديث
(١) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم في صحيحه (٣/ ١٢١٩) «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ».