للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة: سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق" (١).

إذا كان الأمر كذلك فلماذا يرتكب الناس السيئات؟

يجيب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على هذا السؤال فيقول: " السيئات منشؤها الجهل والظلم، فإن أحداً لا يفعل سيئة قبيحة إلا لعدم علمه بكونها سيئة قبيحة، أو لهواه وميل نفسه إليها، والإنسان لا يترك حسنة واجبة إلا لعدم علمه بوجوبها، أو لبغض نفسه لها (٢).

إذن: السيئات كلها ترجع للجهل، لكن لابد أن يُعلم أيضاً بأن الغفلة والشهوة أصل الشر، كما قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: ٢٨]، فالهوى وحده لا يستقل بفعل السيئات إلا مع الجهل.

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: " فصاحب الهوى إذا علم قطعاً أن ذلك يضره ضرراً راجحاً انصرفت نفسه عنه بالطبع؛ فان الله تعالى جبل في النفس حباً لما ينفعها وبغضاً لما يضرها، فلا تفعل ما تجزم بأنه يضرها ضرراً راجحاً، بل متى فعلته كان لضعف العقل" (٣).

فأصل ما يُوقِع الناس في السيئات الجهل، وقد قال بعض الصحابة: "كل من عصى الله فهو جاهل" (٤).

إذا كان الأمر كذلك وهو أن وقوع الناس في السيئات له علاقة قوية بالجهل،


(١) ابن القيم، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ٤٤١.
(٢) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، نشر مجمع الملك فهد بالمدينة، ١٤١٦ هـ، التفسير، ١٤/ ٢٨٧. وانظر: ابن تيمية، الحسنة والسيئة، تقديم محمد جميل غازي، ص ٥٩.
(٣) ابن تيمية، الحسنة والسيئة، تقديم محمد جميل غازي، ص ٦١.
(٤) ابن تيمية، الحسنة والسيئة، تقديم محمد جميل غازي، ص ٦٢.

<<  <   >  >>