للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم غير محدود، وهو موجود لكل من يطلبه، وشامل لكل ما في الكون، وما على الأرض، حتى في الإنسان نفسه، وكل ما ازداد نهلاً منه شعر بالجهل والحاجة إلى طلب المزيد، وكل ما تعمق فيه قاده علمه إلى الإيمان بوحدة وعظمة خالقه وحقارة وصغر نفسه، لذا كان العلماء أكثر الناس تواضعاً، وإيماناً وخشية من الله -عز وجل-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨].

العلم منه ما يعتمد على العقل، ويترجم عنه بالحواس، عن طريق البحث والاستدلال والتجارب، ومنه مالا يدرك إلا بالنقل، ويكون الضلال والزيغ عاقبة البحث عنه بمجرد العقل، حيث لا يمكن معرفته إلا عن طريق الوحي، دون أن يكون للعقل فيه أي سبيل، كالغيبيات من الذات الإلهية، والبعث، والجنة والنار، والروح، ونحو ذلك مما هو معلوم عند أهل الكتب السماوية.

فمن ذلك الحديث المتفق عليه عن ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ، لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسكَتَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ، فَقَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥] " (١).

فإذا كان العلم بهذه السَّعة، وبهذه الأهمية؛ فما القدر الواجب تعلمه، حتى يحظى الإنسان بالسعادة في الدنيا والآخرة؟


(١) البخاري، صحيح البخاري، مع فتح الباري شرح صحيح البخاري، بتحقيق الشيخ ابن باز، نشر رئاسة الإفتاء بالرياض ١٣٧٩ هـ، كتاب العلم، ١/ ٢٢٣، و: مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، نشر دار عالم الكتب ١٤٢٤ هـ، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، ١٧/ ١٤٠.

<<  <   >  >>