وينبغي أن ننبه هنا إلى أن الذين نفوا صفات الخالق أو أولوها - لم يقدروا الله حقَّ قدوه، فالله عندما يحدثنا عن صفاته يجب أن يتبادر إلى ذهن المسلم أن هذه الصفات هي فوق ما يتصور الواصفون، وأنها كمال لا يعروه نقص، أمّا هؤلاء فإنهم قالوا: المتبادر منها التشبيه، ولذلك نؤولها ونحرفها حتى ننزه الله تبارك وتعالى، ولو أنصفوا لقالوا: المتبادر منها الكمال وعدم التشبيه.
ثم هم يعتمدون في مقابل النصوص على المقاييس العقلية، فيقولون: نحن ننفي اليد والوجه، لأننا لا نعرف اليد إلا هذه الجار، ولا نعرف إلا هذه الوجوه، والله منزه عن الجارحة وما يشبه صفات الخلق, وتحكيم العقل بتصوراته الخاطئة بنصوص الشرع لا يجوز، ومقاييسهم العقلية هذه ضالة فالله منزه عن مشابهة الخلق، وصفاته كمال يخصه، ولا يجوز إجراء المقاييس العقلية على رب العزة.
الثالث: عدم التطلع إلى معرفة كيفية صفات الله، ومعرفة الكيف غيب لا يعلمه إلا الله {يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه: ١١٠].
وبما أن الله لا يشبه أحدًا من خلقه، وصفاته لا يشبهها شيء من صفات الخلق، فلا يمكن أن تعرف كيفية ذاته، ولا يمكن أن تعرف كيفية صفاته، والذين انحرفوا في باب الصفات أصل ضلالهم أنَّهم بحثوا في الكيفية، فمرة مثلوا صفات الخالق بصفات الخلق ومرة نفوها وأولوها.
والواجب هو التفويض في كيفية الصفات، فكما أننا لا نعلم كيف ذاته كذلك صفاته تبارك وتعالى لا نعلم كيف هي, فنحن نؤمن بها وإن لم نعرف كيف هي.