للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى أخواتها؛ فإن التاء أقل استعمالا وأبعد عن أفهام العامة، والباء والواو أعرف عند الكافة وهي أكثر دورانا على الألسنة وأكثر استعمالا في الكلام.

ثم أتى الله سبحانه وتعالى بأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار بالنسبة إلى أخواتها فإنّ (كان) وما قاربها أعرف عند الكافة من تفتأ.

وهم ل (كان) وما قاربها أكثر استعمالا منها وكذلك لفظ (حرضا) أغرب من جميع أخواتها من ألفاظ الهلاك (١) فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاوز كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة أو الاستعمال توخيا لحسن الجوار ورغبة في ائتلاف المعاني بالألفاظ ولتتعادل الألفاظ في الوضع وتتناسب في النظم.

ب- وفي هذا الباب قوله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ [الأنبياء: ٤٦]، في سياق بيان الضعف البشري أمام جبروت الخالق تبارك وتعالى فأراد بيان ضعفهم أمام العذاب الخفيف القليل فأتى بكلمات كلها تتجه إلى إظهار الغرض وهو وصف للعذاب بالقلة فأتى ب (إن) التي تفيد التشكيك في وقوعه، وأتى بكلمة (المسّ) بدل الإصابة أو الحرق فهو دونها في المرتبة ودون الدخول، وكذلك كلمة (نفحة) مع تنوينها المشعر بضعف العذاب وحقارته و (من) المفيدة للبعضية فلم يأتهم كل العذاب وإنما هي نفحة عابرة يسيرة من جزء صغير من العذاب، ثم العذاب لم يضف إلى اسم دال على القهر والجبروت بل أضيف إلى أرق اسم دال على الشفقة وهو (رب)، ثم أضيف الرب إلى مقرّب محبوب وهو ضمير خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الكلمات كلها مسوقة إلى هدف واحد وهو وصف هذا العذاب بالقلة والضآلة والحقارة ليبيّن بالتالي أن المذنبين يندمون ويتأسفون على ما عملوا عند تعرضهم لنفحة بسيطة من عذاب الله وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ.


(١) «في مفردات الراغب» ص ١٦٣، الحرض: ما لا يعتد به ولا خير فيه، لذلك يقال لما أشرف على الهلاك (حرض).

<<  <   >  >>