وخلوه عن اللفظ الغث الشاذ الخارج عن القياس، والشارد النافر عن الاستعمال، إلى غير ذلك من أنواع الفنون البلاغية بحيث لا يرى المتصفّح للقرآن الكريم وتراكيبه المتمرّس في فنون البلاغة نوعا منها إلا وجده أحسن ما يكون، لا يقدر أحد من البلغاء الواصلين إلى ذروة البلاغة من العرب العرباء وإن استفرغ وسعه أن يحيط بأنواع قليلة منها. ومن كان أعرف بلغة العرب وفنون بلاغتها كان أعرف بمزايا بلاغات القرآن الكريم وإعجازه للثقلين.
[ثانيا: أمثلة على بعض الفنون البلاغية]
[١ - إيجاز القصر]
أ- قال تعالى في سورة النحل:* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)[سورة النحل: ٩٠].
- أمر الله سبحانه وتعالى في أول هذه الآية بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى في وسطها عن الفحشاء والمنكر والبغي، ووعظ في آخرها وذكّر، فجمع في هذه ضروبا من البيان وأنواعا من الإحسان. فذكر العدل والإحسان، والفحشاء والمنكر بالألف واللام التي هي للاستغراق، أي استغراق الجنس المحتوي على جميع أنواعه وضروبه.
- وفي نهايتها الطباق اللفظي والطباق المعنوي، أما اللفظي ففي قوله (يأمر ... وينهى) وأما المعنوي ففي قوله: العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وقوله: الفحشاء والمنكر والبغي، فإن الثلاثة الأواخر من القبيح.
فطابق بين الحسن والقبيح مطابقة معنوية.
- ثم بين خصوصية ذوي القربى بإعادة الإيصاء عليهم والإيتاء لهم ومع أن الأمر بالإحسان قد تناولهم.