نصا في معناه كان أدنى إلى البلاغة، وكيفما قلبته رأيته وجها واحدا وصفة واحدة لأن الفصاحة لا تكون في الكلام إلا إبانة، وهذه لا تفصح إلا بالمعنى المتعين، وهذا المعنى محصور في غرضه الباعث عليه.
لقد فهم علماء السلف رضوان الله عليهم الآيات الكريمة: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤)[القيامة: ٣، ٤]، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠)[النازعات: ٣٠]، غير ما فهمه العلماء المتأخرون بعد تطور العلوم الطبيّة والفلكية ولم يبعد عن الصواب من قال:
(الزمن خير مفسر للقرآن). وما ذاك إلا لأن القرآن كتاب الإنسانية الخالد الذي لا يستطيع جيل من الأجيال استفراغ ما فيه من كنوز العلوم والحكم والحقائق.
[ثانيا: اعتماد الأسلوب القرآني الطريقة التصويرية في التعبير]
من السمات البارزة للأسلوب القرآني هو اعتماده الطريقة التصويرية للتعبير عن المعاني والأفكار التي يريد إيضاحها، سواء كانت معاني ذهنية مجرّدة، أو قصصا غابرة، أو مشاهد ليوم القيامة وغيرها من المجالات.
إن الأسلوب القرآني يحمل تاليه إلى أجواء الصورة وكأنه ينظر في تفصيلات الصورة المجسّمة أمامه، وكأن المشهد يجري أمامه حيّا متحرّكا، ولا شك أن الفكرة أو المعنى الذي يراد إيضاحه يكون أقرب إلى الفهم وأوضح في الذهن مما لو نقل المعنى مجرّدا من تلك الصور الحية، ويكفي لبيان هذه الميزة أن نتصور هذه المعاني كلها في صورها التجريدية ثم نقارنها بالصورة التي وضعها فيها القرآن الكريم، فمثلا:
أ- معنى النفور الشديد من دعوة الإيمان: إذا أردنا أن نتصور هذا المعنى مجرّدا في الذهن يمكن أن نقول: إنهم ينفرون أشد النفرة من دعوة الإيمان فيتملّى الذهن وحده معنى النفور في برود وسكون.
ولنمعن النظر في الأسلوب القرآني وهو يصوّر لنا هذا المعنى في هذه