من خلال استعراضنا لجوانب من بيان القرآن الكريم مما يتعلق بفصاحته وبلاغته ونظمه وأسلوبه، وذكر الأمثلة على ذلك من الآيات الكريمة، يتضح لكل منصف أن أفانين القول التي وردت في القرآن الكريم من فاتحته إلى خاتمته لا تخلو آية من آياته عن نكتة لطيفة أو حكمة طريفة أو بيان مفحم أو عبارة تأخذ بالألباب وتحير العقول بجمالها وبلاغتها.
ولهذا كان بيانه كالسحر الحلال يستولي على عقل السامع ويسلبه إرادته ويسخره لأغراضه، ولهذا كان القرآن معجزا، أعجز الثقلين أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه فكان المعجزة الخالدة المستمرة إلى يوم القيامة والحجة القاهرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
إن الأسلوب المتميز من بين الأساليب الذي اختص به القرآن الكريم، والنظم المحكم الدقيق الذي لا تكاد العقول تدرك بعض خصائصه إلا ويبهرها الجمال وتسيطر عليها الدهشة، مع استمرار الفصاحة والبلاغة من أول آياته إلى آخرها لدليل واضح على أن هذا الكتاب الكريم ليس من صنع البشر وإنما هو تنزيل من خالق القوى القدر وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ٥ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ٦ [الفرقان: ٥، ٦]، وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ٣٧ [يونس: ٣٧].