والمخلوقات حسب إرادته، ومن هذه النوعية كل من اتخذ من دون الله أربابا وأوثانا وآلهة ابتدعوها، وأملتها عليهم شهواتهم وأهواؤهم، هؤلاء يحتاجون إلى معرفة الألوهية الحقة ومستلزماتها من صفات الكمال المطلق، والتنزّه عن النقص والعجز الذي لا يليق بخصائص الألوهية.
إن الموجة العقلية المنبثقة عن مناهج الفلاسفة الماديّين قد أثّرت على تفكير كثير من علماء المسلمين المعاصرين الذين حاولوا تفسير الخوارق التي ظهرت على يد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، والتي نقلت إلينا نقلا لا يتطرّق إليه أدنى شك، حاولوا تفسير تلك الخوارق تفسيرا ماديا خاضعا للأسباب والسنن الكونية مما يفرغها عن مضمونها ويعطل دلالتها التي ترد هذه الخارقة من أجل إثباتها ألا وهي إثبات صدق الرسول في دعوى الرسالة وتلقي الوحي من الملأ الأعلى.
إن من يفسّر فلق البحر لموسى عليه السلام بالمد والجزر، والطير الأبابيل بجراثيم الطاعون أو الأمراض المعدية الوبائية .. وغير ذلك من الخوارق، إن هؤلاء يسيئون إلى قضية الإيمان بالغيب وبخالق الكون وبرسل الله المصطفين، وكذلك يسيئون إلى تفكيرهم وإيمانهم وعقيدتهم، وإلا فما المانع عقلا من وقوع المعجزات على يد أناس لهم صلة بالله ذي القوة غير المحدودة؟ أناس اصطفاهم الله سبحانه وتعالى للقيام بدور السفارة بينه وبين خلقه لتبليغهم أحكام دينه الحنيف وشرعه القويم وقد أيدهم بكل ما يسهل عليهم مهمتهم من الحجج والبراهين ويظهرهم على خصومهم المعاندين.
[وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول]
ليس المقصود بالمعجزة إثبات العجز للخلق لذاته من غير ترتّب مطلب على هذا العجز، بل المقصود لازم هذا العجز. وهو إقامة الحجة على أن هذا الادّعاء حق وأن الرسول الذي جاء به رسول صدق.
فإعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله يراد من وراء ذلك إقامة الحجة