لقد أولى القرآن الكريم الأخلاق أهمية كبيرة، وحث على التمسك بفضائلها بمختلف الأساليب، وحذر من ارتكاب مرذولها بشتى الطرق، ونظرة القرآن إلى الأخلاق منبثقة أيضا من نظرته إلى الكون والحياة والإنسان. وإذا كانت العقائد تشكل أركان الصرح الإسلامي فإن التشريعات تكون تقسيمات حجراته وممراته ومداخله، والأخلاق تضفي البهاء والرونق والجمال على الصرح المكتمل، وتصبغه الصبغة الربانية المتميزة.
وإذا كانت العقيدة الإسلامية تشكل جذور الدوحة الإسلامية وجذعها فإن الشريعة تمثل أغصانها وتشعباتها، والأخلاق تكون ثمارها اليانعة وظلالها الوارفة ومنظرها البهيج النضر:
لقد عرضت آيات القرآن الكريم الدعوة إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة من خلال الالتزام بالعقيدة الإسلامية ومن خلال الأوامر الربانية، لأن الله الذي خلق الإنسان وأودع فيه الفطرة المستقيمة أودع فيه أيضا العواطف والمشاعر والغرائز والحاجات ووضح المنهج الأمثل الذي يحافظ على استقامة الفطرة، وينمي فيها نوازع الخير، ويحد من أهواء النفس والشهوات ويهذب الغرائز ويسمو بها ويوجهها إلى الكمالات الإنسانية: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى [النجم: ٣٢].
ولقد تنوعت الأساليب القرآنية في عرض الأخلاق والحث على التحلي بها فكثيرا ما يكرر القرآن الكريم خلقا من الأخلاق أو صفة مستمدة منه ويستعملها استعمالات شتى. وما ذاك إلا بهدف ملء أسماع المؤمنين من هذه الصفة، فإذا ما سيطرت عليهم استشعروها في أنفسهم واتصفوا بها