الاتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه بأن سلب منهم العلوم التي تمكنهم معارضة القرآن بواسطتها، أو صرفهم عن الاهتمام بالمعارضة، ولولا ذلك لأمكنهم الإتيان بمثل القرآن).
[مما تقدم من أقوال القائلين بالصرفة نتعرف على مذهبين لهم]
١ - النظام ومن تبعه: ذهبوا إلى أن العرب صرفوا عن المعارضة أصلا ولم يتوجّهوا إليها، ولو توجّهوا لقدروا على الاتيان بمثل القرآن.
٢ - والمذهب الثاني- وقال به الشريف المرتضى وابن سنان الخفاجي ومن تابعهما-: ذهبوا إلى أن الله سلب من العرب علومهم التي يحتاج إليها في معارضة القرآن والاتيان بمثله، ولو توجّهوا لما استطاعوا أن يأتوا بمثل القرآن.
وكلا القولين مردود بأدلة نقلية وعقلية:
[أما الأدلة النقلية]
١ - فقد أجمعت الأمة قبل ظهور القول بالصرفة على أن إعجاز القرآن ذاتي (١) لاشتماله على ميزات جعلته يفضل كلام البشر. والقول بالصرفة يسلب عن القرآن إعجازه الذاتي، ويجعل المعجزة لهذا الصرف والمنع الذي حال بينهم وبين الاتيان بمثله.
٢ - وصف الله سبحانه وتعالى القرآن بأوصاف ذاتية تجعله في منزلة لا تصل إليها المعجزات الأخرى، وبيّن أن وجود القرآن بينهم يتلى عليهم كافيا ومغنيا عن كل معجزة مادية أخرى: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)[العنكبوت: ٥٠ - ٥١].
(١) ذكر هذا القول القرطبي في تفسيره ١/ ٦٦، وانظر الإتقان للسيوطي ٢/ ١١٨، وغيرهما.