للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاصلة للكلام، فكل ذلك مما يكشف عنه ويفصح عن موضع الثقل فيه، ولكنه جاء في القرآن على العكس، وانتفى من طبيعته في قوله تعالى:

وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) [القمر: ٣٦]. فتأمل هذا التركيب وأنعم ثم أنعم على تأمله، وتذوّق مواقع الحروف وأجر حركاتها في حسن السمع وتأمل مواضع

القلقلة في دال (ولقد) وفي الطاء من (بطشتنا) وهذه الفتحات المتوالية فيما وراء الطاء إلى واو (تماروا) مع الفصل بالمد كأنها تثقيل لخفة التتابع في الفتحات إذا هي جرت على اللسان، ليكون ثقل الضمة عليه مستخفا بعد، ولتكون هذه الضمة قد أصابت موضعها كما تكون الأحماض في الأطعمة، ثم ردد نظرك في الراء من (تماروا) فإنها ما جاءت إلّا مساندة لراء (النذر) حتى إذا انتهى اللسان إلى هذه انتهى إليها من مثلها. فلا تجفو عليه ولا تغلظ ولا تنبو فيه، ثم اعجب لهذه الغنّة التي سبقت الطاء في نون (أنذرهم) وفي ميمها وللغنة الأخرى التي سبقت الذال في (النذر) ... )

ثم يعقب على هذه الآية بقوله: (وما من حرف أو حركة في الآية إلا وأنت مصيب من كل ذلك عجبا في موقعه والقصد به، حتى ما تشك أن الجهة واحدة في نظم الجملة والكلمة والحرف والحركة، ليس منها إلا ما يشبه في الرأي أن يكون قد تقدم في النظر وأحكمته الرويّة وراضه اللسان، وليس منها إلا متخير مقصود إليه من بين الكلم ومن بين الحروف ومن بين الحركات) (١).

[٢ - رأي الدكتور محمد عبد الله الدراز]

من الذين تحدثوا عن الإعجاز الدكتور محمد عبد الله الدراز في كتابه «النبا العظيم» الذي ألفه سنة: ١٩٣٣ م.

وذكر فيه ثلاثة أوجه من الإعجاز:


(١) «تاريخ آداب العرب» للرافعي، ٢/ ٢٥، ٢٣٩، ٢٤٠.

<<  <   >  >>