لقد اتهمت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه افتراه وأعانه عليه قوم آخرون، وقالوا تارة أخرى إنه يتلقاه من بشر. وسموا أنباء الغيب الماضي أساطير الأولين. وهذه التهم شهادة غير مباشرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت قريش تعلم أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ولم يتهموه أنه اتصل بأحد من أحبار اليهود أو رهبان النصارى، ولم تكن له أسفار للبحث والتنقيب عن آثار الأمم. وعند ما قالوا إنها تملى عليه كانوا يدركون عدم صدقهم في هذه التهمة. فمن الذي أوتي علوم الأولين والآخرين حتى يستطيع إملاءها على التهمة. فمن الذي أوتي علوم الأولين والآخرين حتى يستطيع إملاءها على محمد صلى الله عليه وسلم؟! ولماذا لم يدع هو النبوة بدل محمد صلى الله عليه وسلم؟ لذا كانت تهمتهم هذه اعترافا منهم بأن هذه الأنباء لا يمكن أن يأتي بها محمد صلى الله عليه وسلم من عند نفسه، وتمويها وتضليلا للناس وخداعا لأنفسهم فليلصقوها بأحد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ورواجا لهذه الفرية ليكن شخصا غريبا عن قريش لعل في ذلك زيادة في التضليل والتمويه، فليكن صهيبا الرومي أو يسارا مولى الحضرمي، أو عداسا مولى حويطب بن عبد العزى أو جبرا مولى ابن عامر، واختاروهم من الموالي الغرباء عن قريش ليوهموا العامة أن هؤلاء الغرباء على علم لا تعلمه قريش.
وهذا ما تولى القرآن الكريم الرد عليه في قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)[الفرقان: ٤ - ٦]. وقوله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)[النحل: ١٠٣].
[أهداف غيب الماضي]
من خلال تتبع القصص القرآني وما ورد فيه من أنباء الأمم السابقة ندرك أن الهدف الأساس من هذا النوع من الغيب هو إثبات صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثيرا ما يستدل القرآن الكريم على ذلك بالإشارة إلى