لقد كانت روعة القرآن الكريم وسحر بيانه مستوليا على القلوب والأفكار، وكان يحس المؤمنون به بنشوة بالغة وهم يتمعّنون آيات الذكر الحكيم. وكان الكافرون المعاندون يحسّون في قرارة أنفسهم أن هذا الكلام ليس من كلام البشر وكانوا يحسون بحلاوة عباراته وطلاوة أسلوبه والمعاني الثرّة المغدقة في موضوعاته وأنه يعلو ولا يعلى عليه، كما قالها الوليد بن المغيرة في لحظة صدق مع نفسه عند ما طلب منه قومه أن يقول في القرآن قولا لتجتمع كلمتهم عليه ولا يظهرون الاختلاف أمام وفود العرب في الموسم. فبعد أن اعترف أنه ليس من كلام الشعراء لأنه لا ينسجم على أقرائه، وليس من كلام الكهنة لأنه لا يشبه زمزمتهم، وليس بخنق الجنون وهوسه، قال: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمغدق أسفله مثمر أعلاه، وإنه يعلو ولا يعلى عليه ما يقول هذا بشر. ولكنه أعلن أمام الملأ مكابرة وعنادا فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)[المدثر: ٢٤ - ٢٥].
لقد كان الذوق العربي السليم يساعد أصحابه على إدراك الأساليب القرآنية في مخاطباته، وكانت قدسية القرآن وعظمته مسيطرة على نفوسهم وكان الإقرار بالعجز عن الارتفاع إلى مستواه كامنا في النفوس.
وبقي هذا الأمر بعد عصر النبوة والخلفاء الراشدين وردحا من الزمن في الدولة الأموية، إلا أن صفاء السليقة العربية بدأت تفقد صفاءها وبدأت