إن حالة محمد صلى الله عليه وسلم عند إطلاق هذه الأنباء الموغلة في القدم، أو الحاضرة الخافية في صدور أهلها، أو الوعود المستقبلة التي كانت في مجاهل الغيب، كان حاله في كل ذلك حال الواثق المتيقن من الأمر، وهو بشر لم يطلع على كتب السابقين ولا يملك من تصرف أمور المستقبل شيئا، وكان هو بذاته ينفي عن نفسه علم الغيب: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف: ١٨٨].
فلو لم يكن مستندا إلى ركن قوي ما أطلق مثل هذا، وجازف بدعوته وهو الذي عرف عنه التعقل والحكمة ولم يعهد منه تسرع في أمر، أو تقول بلا روية، حتى قبل أن يكرمه الله بالرسالة.
فلا شك أن الوحي الإلهي كان ينطقه، كما أن الصدق المطلق الذي رافق القرآن الكريم من يوم نزوله إلى يوم انقطاع الوحي بالتحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، أمر يوجب التوقف والتدبر، إن الصدق في أخبار القرآن الكريم ظاهرة لا يستطيع إنكارها أحد، حتى الذين عادوا الإسلام، كان هؤلاء يضمرون في أنفسهم احترام صدق القرآن وحقيقته بالرغم من ركام الوثنية والشرك والتكذيب الذي لاقوه به، بل كان هذا الاحترام المنتزع منهم والمفروض عليهم ملازما لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان ينطق بالقرآن.
ولقد أدرك مشركو العرب هذه الحقيقة من خلال اختلاطهم