وهكذا لو ذهبنا نستعرض الآيات القرآنية في موضوع من الموضوعات المذكورة فيه نجد هذا التناسق وهذا الانسجام بين المعاني والألفاظ المختارة لأدائها فلا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد، بل الألفاظ تسابق معانيها، ومعانيها تسابق ألفاظها، كما أن الألفاظ عربيّة مستعملة جارية على قوانين اللغة سليمة عن التنافر بعيدة عن البشاعة عذبة سلسة كالماء في السلاسة والعسل في الحلاوة وكالنسيم في الرقة.
[ومن مزايا النظم القرآني اهتمامه بالجملة القرآنية واختيار المكان المناسب فيها للكلمة المعبرة]
بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقا عن التناسق بين العبارة والمعنى الذي يراد توضيحه فإن هنالك نوعا من التناسق الرائع بين الكلمات في الجملة الواحدة وبين الحروف في الكلمة الواحدة.
فنظرة إلى تلك الحروف تبرز تناسبها لبعضها تناسبا طبيعيا في الهمس والجهر والشدة واللين والتفخيم والترقيق مما يشكّل أنغاما متناسقة متناسبة.
وهذه الخاصية تعود بلا شك إلى طريقة اختيارها وسبكها وتناسب مخارجها. كما أن وضع الكلمة في الآية واختيار موقعها والتئامها مع جاراتها له الأثر الكبير في إعطاء هذا الجرس الخاص والإيقاع المؤثر في نفس السامع.
ولا يقتصر وضع الكلمة في الآية على تأثيره في اللحن والنغم وإنما لهذا الموقع والوضع المناسب تأثير على المعنى وإبرازه، لذا نجد أن كثيرا من الباحثين اقتصروا على إبراز هذه الناحية دون الإشارة إلى ناحية اللحن والإيقاع.
والحقيقة أن الكلمات القرآنية لها دور وضرورة في السياق للدلالة على المعنى، كما أن لها دورا في تناسب الإيقاع دون أن يطغى هذا على ذاك أو يخضع النظم لأحد الأمرين.