ويقصد بغيب الحاضر ما جرى في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حوادث لم يحضرها، ثم نزل القرآن متضمنا لها ومخبرا بحقيقة ما جرى.
وفي تنبيه القرآن الكريم الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه المؤمنون على الحقيقة وتوجيههم إلى ما ينبغي اتخاذه حيال الوقائع ضمان لسلامة سير الدعوة وتجنب لها عن الوقوع فيما يخطط لها أعداؤها من الكفار والمنافقين.
فالغاية الأساسية من غيب الحاضر هو تأييد الدعوة والأخذ بيدها والسير بها على بينة من أمرها، وتربية الأمة وتهذيبها.
وإن كان يؤخذ إلى جانب ذلك من هذا النوع من الغيب صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه، حيث لم يكن له علم بما دار في غيابه، وما خطط وما جرى تنفيذه، حتى أماط القرآن الكريم اللثام عن هذه الأمور.
لذا لا نجد تنبيه القرآن الكريم عند الحديث عن هذه الحوادث الجارية، على إثبات أصل الرسالة كما كان الأمر عند الحديث عن غيب الماضي، حيث وجدناه كثيرا ما يجعل إخبار رسول الله عن أنباء الأمم السابقة دليل كونه من عند الله كما في قوله تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)[هود: ٤٩].
ونذكر أمثلة على هذا النوع من الغيب، ليظهر لنا من خلالها الهدف الأساسي الذي رمى إليه هذا التوجيه الرباني، والأهداف اللاحقة أو التبعية التي تستفاد من سوق الخبر أو الحادثة.