للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإمام الغزالي: ولما كانت البهائم لا أذهان لها ولا أكفّ، ولا أصابع تهيأ للأعمال، كفيت مؤنة ما يضر بها، بأن جعلت كسوتها في خلقها باقية عليها ما بقيت، فلا تحتاج إلى استبدال بها وتجديد بغيرها، بخلاف الآدمي فإنه ذو فهم وتدبير، وأعضاء مهيأة لأعمال ما يقترحه، وله في إشغاله بذلك صلاح، وفيه حكمة، فإنه خلق على قابلية لفعل الخير والشر.

انظر إلى النمل وما ألهمت له، في احتشادها في جمع قوتها وتعاونها على ذلك وإعدادها لوقت عجزها عن الخروج والتصرف بسبب حر أو برد.

وألهمت في تقلب ذلك من الحزم ما لم يكن عند من يعرف العواقب حتى تراها في ذلك إذا عجز بعضها عن حمل ما حمله أو جهد به أعانه آخر منه، فصارت متعاونة على النقل كما يتعاون الناس على العمل الذي لا يتم إلا بالتعاون.

ثم إنها ألهمت حفر بيوت في الأرض، تبتدئ في ذلك بإخراج ترابها وتقصد إلى الحب الذي فيه قوتها، فتقسمه خشية أن ينبت بنداوة الأرض فما خلق هذا في جبلتها إلا الرحمن الرحيم، ثم إذا أصاب الحب بلل أخرجته فنشرته حتى يجف، ثم إنها لا تتخذ البيوت إلا فيما علا من الأرض، خوفا من السيل أن يغرقها (١).

[(ج) أنماط الحياة والتكاثر]

لقد نص القرآن الكريم أن هذه المخلوقات من الدواب والحشرات المتباينة في الأشكال والحجوم وطريقة الحركة والسير أمم وفصائل أمثال الناس: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) [النور: ٤٥].


(١) «الحكمة في مخلوقات الله» للإمام الغزالي، ص ١١٢.

<<  <   >  >>