الحديث عن الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم حديث عن النظام الخالد للكون وما فيه، فالذي أبدع الكون من العدم وأوجد فيه من المخلوقات ما لا يحصى عددا وجعل أشرف هذه المخلوقات وأكرمها بني آدم، قد اختار لهذا المخلوق المعزز دستورا في الحياة ينظم سلوكه في الدنيا وعلاقته بنفسه وبخالقه سبحانه وتعالى، ورتب نتائج دنيوية وأخروية على نتيجة سيره وفق هذا الدستور الإلهي الكريم، حيث يحصل الإنسان على الطمأنينة والعزة والرفاه في الدنيا ويشعر بإنسانيته الحقة، ويدرك الحكمة الإلهية من خلقه وإيجاده وتفضيله على سائر المخلوقات، كما ضمن الله سبحانه وتعالى له السعادة في الآخرة استمرارا لسعادته الدنيوية:
واشتمل القرآن الكريم على الأنظمة التي يحتاجها البشر في حياتهم المعاشية ولم يدع جانبا من جوانب الحياة إلا كانت له نظرته الخاصة وتشريعه المستقل بحيث ينتج من مجموع أنظمته تشريع متكامل لمناحي الحياة كلها الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: ٥].
وينتج من تطبيقه على الناس أمة متكاملة الشخصية متميزة الملامح والسلوك عن سائر الأمم كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ