إن المتعمق في دراسة التشريعات الإسلامية في مختلف مناحي الحياة يدرك إدراكا واضحا وجليا أن هذه التشريعات تهدف إلى هداية الإنسان في حياته الدنيا إلى أقوم السبل التي تحفظ للإنسان إنسانيته وتطلق طاقاته الإيجابية نحو الكمالات البشرية، وتحفظ له نظرته المستقيمة، وتوفر له التوازن الدقيق في متطلباته الجسدية المادية وأشواقه الروحية، مع انسجام تام مع المحاكمات العقلية، مما يثمر الطمأنينة النفسية والسعادة في حياته الدنيا، وهي السبيل إلى الحياة الباقية في الدار الآخرة.
إن تاريخ البشرية لم يحدثنا عن مصلح اجتماعي أو فيلسوف عبقري أنه وضع نظام حياة لشعب من الشعوب بمختلف فئاته وتنوع مجالاتها بل حاول كثير من المصلحين أن يضعوا قوانين تنظيمية لدولة من الدول. ولكن محاولاتهم كثر الانتقاد عليها في حياتهم وبعد مماتهم لأنها كانت متأثرة ببيئة واضعها، وقاصرة عن استيعاب المشاكل لمجتمعهم، وأوجدت الجور والحيف على بعض الفئات لمصلحة آخرين.
وما قانون حمورابي وصولون .. وغيرهم، وما أخذ عليها وما نتج من تطبيقاتها قديما إلا مظهر من المظاهر التي ابتلي بها الإنسان في مراحل شقائه. ولا زالت هذه الظواهر تتكرر في المجتمعات التي لا تدين دين الحق، فالمجتمعات الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية والوثنية تكتوي بمثل هذه التجارب المريرة إلى يومنا هذا.
إن التشريعات الإسلامية التي جمعت بين الروح والمادة فأشبعت كلا منهما في الإنسان بما يناسبها، ووفرت السعادة والطمأنينة في الحياة الدنيا وأزالت القلق عن النفوس من المستقبل مع مراعاة الفطرة وتلاؤمها معها،