للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لدليل على أن أحدا من البشر لا يستطيع أن يدرك هذه المجالات أو يحيط بها، وهي برهان ساطع على أنها منزلة من خالق الإنسان الذي أودع فيه هذه الطاقات والقدرات والاستعدادات فأنزل ما ينظمها جميعا ويوجهها لعبادة الخالق سبحانه وتعالى. وتكون الدلالة أوضح والبرهان أظهر عند ما تعلم أن الذي نزلت عليه كان أميا لم يتلق العلم على يد أحد من البشر، ولم يعرف بتجواله في الآفاق بحثا عن النظريات والدساتير الإصلاحية.

يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه القيم «المعجزة الكبرى»:

( ... إن ما اشتمل عليه القرآن من أحكام تتعلق بتنظيم المجتمع وإقامة العلاقات بين آحاده على دعائم من المودة والرحمة والعدالة لم يسبق به في شريعة من الشرائع الأرضية، وإذا وازنا ما جاء في القرآن بما جاءت به قوانين اليونان والرومان، وما قام به الإصلاحيون للقوانين والنظم بما جاء في القرآن وجدنا أن الموازنة فيها خروج عن التقدير المنطقي للأمور، مع أن قانون الرومان أنشأته الدولة الرومانية في تجارب ثلاثمائة سنة وألف، من وقت إنشاء مدينة روما إلى ما بعد خمسمائة من الميلاد، ومع أنه قانون تعهده علماء قيل إنهم ممتازون منهم: سولون الذي وضع قانون أثينا، ومنهم ليكورغ الذي وضع نظام أسبرطة.

فجاء محمد صلى الله عليه وسلم ومعه القرآن الذي ينطق بالحق عن الله سبحانه وتعالى من غير درس درسه، وكان في بلد أمي ليس فيه معهد ولا جامعة ولا مكان للتدريس، وأتى بنظام للعلاقات الاجتماعية والتنظيم الإنساني، لم يسبقه سابق، ولم يلحق به لا حق) (١).

إن الإعجاز التشريعي لآية بينة على أن القرآن الذي اشتمل عليه هو كلام الله أنزله على قلب عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من ظلمات الانحراف والضلال والشقاء إلى نور الإيمان والهداية والتمسك بحبل الله المتين:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) [الصف: ٩].


(١) «المعجزة الكبرى» ص ٤٥٥.

<<  <   >  >>