من حكام بني العباس، تلقف الذين يحبون كل وافد من الأفكار ويركنون إلى الإغراب في أقوالهم فدفعتهم الفلسفة إلى أن يعتنقوا ذلك القول ويطبقوه على القرآن- وإن كان لا ينطبق- فقال قائلهم: إن العرب إذ عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن ما كان عجزهم لأمر ذاتي من ألفاظه ومعانيه ونسجه ونظمه، بل كان، لأن الله تعالى صرفهم عن أن يأتوا بمثله.
إن رواج فكرة الصرفة يؤدّي إلى أن القرآن الكريم ليس في درجة من الفصاحة والبلاغة تمنع محاكاته، وتعجز القدر البشرية على أن يأتوا بمثله.
فالإعجاز عند القائلين بالصرفة ليس من صفات القرآن الذاتية، وبالتالي ما دام أن بلاغة القرآن لا تزيد على بلاغة سائر الناس فمؤدّى كلامهم أن يكون القرآن من جنس كلام البشر.
[القائلون بالصرفة]
١ - النّظّام: أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هانئ النظام البصري:
اقترن اسم الصرفة باسم النظام، واشتهر أنه أول المنادين بها والمظهرين لهذا القول. كان النظام من الموالي، وهو ابن أخت أبي الهذيل العلّاف- أحد كبار المعتزلة-. وقيل له النظام، لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة. تتلمذ للعلاف في الاعتزال ثم انفرد عنه وكوّن له مذهبا خاصا، وعاشره في بغداد حينا ومات وهو شاب في نحو السادسة والثلاثين من عمره سنة ٢٣١ هـ. وكان أستاذ الجاحظ.
ترجم له الإمام أبو منصور البغداديّ في كتابه «الفرق بين الفرق» عند ذكره الفرقة النّظّامية فقال: (عاشر- أي النّظام- في شبابه قوما من الثنوية وقوما من السّمنيّة القائلين بتكافؤ الأدلة، وخالط بعد كبره قوما من ملاحدة الفلاسفة، ثم دوّن مذاهب الثنوية وبدع الفلاسفة وشبه الملاحدة في دين الإسلام، وأعجب بقول البراهمة بإبطال النبوات، ولم يجسر على إظهار هذا القول خوفا من السيف، فأنكر إعجاز القرآن في نظمه، وأنكر ما روي في معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم من انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده، ونبع الماء