فهل الحال النفسية التي يصدر عنها أول هذا الكلام- لو كان عن النفس مصدره- يمكن أن يصدر عنها آخره ولمّا تمض بينهما فترة تفصل بين زمجرة الغضب وبين ابتسامة الرضى والاستحسان؟ إن هذين الخاطرين لو فرض صدورهما عن النفس متعاقبين لكان الثاني منهما إضرابا عن الأول ماحيا له ولرجع آخر الفكر وفقا لما جرى به العمل. فأي داع دعا إلى تصوير ذلك الخاطر المحمود وتسجيله على ما فيه من تقريع علني وتنغيص لهذه الطعمة التي يراد جعلها حلالا طيبة؟.
إن الذي يفهمه علماء النفس من قراءة هذا النص أن هاهنا شخصيتين منفصلتين وأن هذا صوت سيد يقول لعبده: لقد أخطأت ولكني عفوت عنك وأذنت لك (١).
ومن الأمور المميّزة للأسلوب القرآني طريقة استدلاله بأشياء وأحداث مثيرة صغيرة في ظاهرها وهي ذات حقيقة ضخمة تتناسب والموضوع الضخم الذي يستدل بها