وتوجد حركات أخرى في البحر هي أعظم حتى من التيارات السطحية، وهذه هي صعود المياه الأدفأ والمياه الأخف، وهبوط المياه الأثقل والمياه الأبرد. وفي البحار القطبية تغوص المياه الباردة إلى أسفل وتزحف على قاع المحيط كما أن المياه الدافئة في المناطق الحارة تندفع ببطء على السطح تجاه القطبين ومثل هذه الحركات تمد كل الكائنات الحية في البحر باحتياجاتها فهي تحمل الأوكسجين الضروري للحياة إلى أسفل قاع المحيط، وتوزع الأملاح والمعادن الأخرى هنا وهناك في الماء تماما مثلما يضع الفلاحون السماد في التربة.
وهذه المعادن ضرورية لحياة النباتات التي هي غذاء الحياة الحيوانية في البحر، وتيارات السطح، وصعود المياه ونزولها، والزحف البطيء على طول القاع في المحيط، كل هذه تنظف البحر وتنقيه، فهي تحميه من أن يأسن كما يأسن ماء البركة الراكد، ويقدر العلماء أن مياه المحيط القطبي الشمالي تتغير كل ١٦٥ سنة كما يتغير الماء في
حمام السباحة، ويجري هذا في كل مكان في المحيطات وفي أغلب الخلجان والمداخل الصغيرة (١).
وهكذا نجد أن النص القرآني المعجز يحتمل كل ما قيل واكتشف من الحواجز سواء كانت بين الأنهار العذبة وبين مصباتها في البحار، أو بين البحار الملحة أنفسها، أو بين التيارات المائية في المحيط ومائه.
وقد يكتشف غير هذا في المستقبل، وتبقى الحقيقة الخالدة وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)[فاطر: ١٢] * وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣)[الفرقان: ٥٣].