للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أ- مواءمة طبيعة الرسالة: لقد كان الرسول في السابق يرسل إلى قوم مخصوصين أو إلى قبيلة خاصة ولفترة زمنية محددة أحيانا، فكان التحديد زمانا ومكانا وقوما يحدّد مهمة الرسول. أما الرسالة الخاتمة فقد امتازت عن الرسالات السابقة بشمولها وعمومها وعالميتها زمانا ومكانا ومكلّفين يقول تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨) [الأعراف:

١٥٨] « .. وكان النبي يرسل إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود» (١).

فكانت معجزات الأنبياء ملائمة لطبيعة رسالاتهم، وكانت المعجزة تنتهي بوفاة الرسول ولا يبقى إلا الحديث عنها والأخبار التي يتناقلها أتباع الدين جيلا عن جيل. ولا تنفك المعجزة عن شخص الرسول فلا تبقى بمنأى عنه في الزمان والمكان. أما الرسالة المحمدية فهي مستمرة إلى يوم القيامة، ولا بدّ من معجزة مستمرة تقيم الحجّة على الأجيال اللاحقة بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وربانية رسالته. ولا تؤدّي المعجزة المادية هذا الدور وهذه المهمة، فكان الاختيار الرباني أن تكون المعجزة وحيا. روى الشيخان من حديث الليث بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من الأنبياء نبيّ إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (٢).

ب- كون القرآن الكريم المعجزة الخالدة: فمن المعجزة تستنبط أحكام الشريعة فآية تصديق الرسالة في الرسالة نفسها، وليس في معجزات


(١) رواه البخاري في باب التيمم: ١/ ٨٦، ومسلم في المساجد ١/ ٦٣ بلفظ: «بعثت إلى الناس عامة».
(٢) رواه البخاري في فضائل القرآن ج ٦ ص ٩٧، وفي الاعتصام، ومسلم في الإيمان ١/ ٩٢.

<<  <   >  >>